وإذا ظهر ذلك
فيقال لأرسطو الذي ذكر عنه هذا [ ص: 113 ] المؤسس الذي قال: " من أراد النظر في العلم الإلهي فليحدث لنفسه فطرة أخرى". وقد قرره المؤسس: " بأن الإنسان إذا تأمل في أحوال الأجرام السفلية والعلوية وتأمل في صفاتها فذلك له قانون، فإذا أراد أن ينتقل منها إلى معرفة الربوبية وجب أن يستحدث لنفسه فطرة أخرى ونهجا آخر، وعقلا آخر، بخلاف العقل الذي به اهتدى إلى معرفة الجسمانيات ". أنت يا معلم هؤلاء الصابئة
الفلاسفة المبتدعين لما تكلمت
[ ص: 114 ] في أقسام العلم بالمقولات العشر وهي: الجوهر وأعراضه التسعة: الكم، والكيف، والإضافة، والأين، ومتى، والوضع، وأن يفعل، وأن ينفعل، والملك، فهذا وإن كان
[ ص: 115 ] [ ص: 116 ] [ ص: 117 ] كلاما في الوجود المطلق الذي قد يقولون إنه " العلم الأعلى" وهو الناظر في الوجود ولواحقه من حيث هو وجود، ومنه " العلم الإلهي ". ويجعلون العلم الإلهي يعم هذا كله: فهذا نزاع بينكم فهذه المقولات العشر إذا أثبتها للعقول والنفوس ونفس الإنسان ونفيتها عنها أو نفيت شيئا منها أو نفيتها عن واجب الوجود أو أثبتها أو شيئا منها له: أتحكم في هذا النفي والإثبات بالفطرة التي علمت بها هذه الأمور أم بفطرة أخرى؟ فإن قال بفطرة أخرى، كان هذا اعترافا بأن الفطرة التي
[ ص: 118 ] يحكم فيها على الشيء بنفيه وإثباته غير الفطرة التي يتصور بها الشيء، فتكون فطرة التصديق غير فطرة التصور، ومن المعلوم أن الحاكم بالتصديق العالم به الناطق به إن لم يكن هو العالم بالتصور المدرك له الناطق به كان حكمه باطلا فيلزم أن يكون جميع ما ذكروه في العلم الإلهي باطلا، لكون الحاكم بالتصديق فيه ليس هو المتصور.
وإن قلتم بل بالفطرة التي عرفت بها هذه الأمور يحكم بنفيها وإثباتها بطلت تلك القعقعة التي تشبه قعقعة الشنان التي يقعقع بها للصبيان، ليخوفوا بما لا حقيقة له عند الإنسان، وعلم أن ما خالفتم به الفطرة والشرعة فكله هذيان بل من الإفك والبهتان.
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا [الكهف: 1-5]
وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم ذلكم الله ربكم لا إله [ ص: 119 ] إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير [الأنعام: 100-103] وليس هذا موضع استقصاء الكلام في هذا، وإنما الغرض التنبيه على تناقض هؤلاء وإبطال حججهم. وحينئذ يقال في: