الوجه السابع:
قوله: " إن تلك الأجزاء إما أن تكون متماثلة الماهية أو مختلفة الماهية". يقال: قد تبين أن ما ذكرته لا يستلزم أن تكون هنا أجزاء موجودة، وغاية ما يلزم ما ذكرته تمييز شيء عن شيء وجانب عن جانب، والذي يكون كذلك يقال في صفاته ما يقال فيه. فإذا قيل إنه مع أنه واحد فهو ذو أبعاض يتميز منه شيء من شيء فكذلك يقال: في صفاته القائمة به وفي حيزه وفيما يلاقيه. ففي الجملة متى فرض تميز شيء منه عن شيء وقيل: إن ذلك أبعاض ولكل بعض خاصة تميز بها، ثم يقال: وسواء كان هناك أجزاء وأبعاض موجودة يتميز بعضها عن بعض أو لم يكن.
فإذا قيل: كل بعض إما أن يماثل الآخر أو لا يماثله. قيل: إن أردت بالمماثلة أن يقوم مقامه فيما يختص بعينه فلا يكون في العالم شيئان متماثلان. وإن أردت بالتماثل أن يقوم مقامه فيما يكون لنوعه لا لعينه. قال لك المنازع: إنها متماثلة. وإذا قال ذلك لم يجز أن تقول: " فيصح أن يكون الملاقي مباعدا، والمباعد ملاقيا، لأن ذلك الملاقي من صفات عينه مجاورته
[ ص: 143 ] لما جاوره وحيزه المعين، وتلك الصفة لا يقوم فيها غيره مقامه وإن كان مثله كما تقدم، فلا يلزم من كونهما متماثلين أن يصير الملاقي مباعدا والمباعد ملاقيا.
وقولنا: المثلان يصح على كل منهما ما صح على الآخر. إنما هو فيما ليس من خصائص العين. والملاقاة والمباعدة من خصائص العين، فإن الملاقي إذا صار مباعدا خرج عن حيزه المعين، وعن أن يكون ملاقيا لما كان ملاقيا له، ووجب أن يصير ملاقيا لغيره. وكذلك المباعد. وحينئذ فتختلف صفات عينه بالتفريق، فلا يكون ذلك لازما لكونهما مثلين، فلا يلزم من التماثل ذلك.