الوجه الثالث والعشرون: أن يقال:
العلو على العرش للناس فيه قولان مشهوران:
أحدهما: أنه نسبة وإضافة بينه وبين العرش من غير فعل محدث يقوم بذات الرب، وهؤلاء قد يقولون: الاستواء من صفات الذات، وعلى هذا التقدير فتجديده بخلق العرش كتجديد سائر النسب والإضافات، وذلك جائز باتفاق العقلاء كتجدد المعية.
والثاني: أنه استوى على العرش بعد أن لم يكن مستويا عليه، كما دل على ذلك القرآن. والذي قال هذا يقول في استوائه إلى السماء ونزوله ومجيئه وإتيانه ونحو ذلك مثلما يقول في الاستواء، وأن ذلك من أفعال ذات الله تعالى. وهؤلاء هم جمهور أهل الحديث وكثير من أهل الكلام والفقهاء
والصوفية [ ص: 237 ] وغيرهم. وعامة كلام السلف يدل على هذا. وهذا متصل
بمسألة حلول الحوادث به"، وهو قد ذكر أنه ليس في الأدلة العقلية ما ينفي حلول الحوادث به، وذكر أن الطوائف جميعهم يلزمهم القول به. وإذا كان كذلك لم يمتنع أن يستوي عليه بعد أن لم يكن مستويا.
وإذا كان على القولين لا يمتنع أن يصير فوق العرش، وإن لم يكن في الأزل عرش يكون الله فوقه بطل ما ادعاه من أنه إذا كان اختصاص الباري بالحيز محدثا، فهو إذا في الأزل ما كان حاصلا في الحيز، والشيء الذي يكون كذلك استحال أن يصير
[ ص: 238 ] حاصلا في الحيز فإن ذلك لا يستحيل على الوجه الذي بيناه. وأما إن كان قد قال: استحال أن يصير محتاجا إلى الحيز، فهذا حق، لكن تجدد الأمور الجائزة لا يقتضي أنه محتاج إليها.