قلت: والكلام على هذا، - مع العلم بأن المقصود ذكر القول الفصل والحكم العادل فيما يذكره النفاة من الحجج والجواب عما ذكره من جهة منازعيه ليس المقصود استيفاء حجج المثبتة، بل إذا تبين أن هذا الذي هو الإمام المطلق في المتأخرين من هؤلاء النفاة المتكلمين
والفلاسفة، وعرف فرط معاداته لهؤلاء المثبتة الذين ذكرهم وذكر حججهم مع ما هم عليه من ضعف الحجج وقلة المعرفة بالسنن ومذاهب السلف، ومع ما فيهم من الانحراف، ثم تبين ظهور حججهم العقلية التي ذكرها مع السمعية على ما استوفاه من حجج النفاة العقلية والسمعية، مع استعانته بكل من هو من النفاة حتى المشركين الصابئين مثل:
أرسطو وأبي معشر وشيعتهما من
الفلاسفة [ ص: 267 ] والمنجمين
والمعتزلة وغيرهم، ومع أنه لم يبق ممكنا فيما فيه شبهة حجة: عرف من الحق ما يهدي به الله من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وقد ذكر أن لهم طريقين على أن
كل موجودين فلا بد وأن يكون أحدهما محايثا للآخر أو مباينا له: أحدهما: ادعاء البديهة. وقد ذكر أنه سبق الكلام في ذلك فأحال على ما تقدم، وقد قدمنا القول على ما ذكره هناك في مقدمة كتابه مما يبين الحق لمن له أدنى نظر ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وما ذكره هنا من حكاية كلام
ابن الهيصم في مناظرته
nindex.php?page=showalam&ids=13428لابن فورك لم يبلغنا على الوجه المفصل، لكن ذكر بعض المصنفين من النفاة أيضا أنهما تناظرا بحضرة ولي السلطان
محمود بن [ ص: 268 ] سبكتكين وكان من أحسن ملوك أهل المشرق إسلاما وعقلا ودينا وجهادا وملكا في آخر المائة الرابعة، وكانت ملوك في خلافة القادر، وكانت قد انتشرت إذ ذاك دعوة الملاحدة المنافقين الذين كانوا إذ ذاك
بمصر، وقد بنوا
القاهرة وغيرها ولهم دعاة من أقاصي الأرض بالمشرق وغيره، وكان والد
nindex.php?page=showalam&ids=13251ابن [ ص: 269 ] [ ص: 270 ] سينا منهم، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13251ابن سينا وبسبب ذلك اشتغلت في علوم الأوائل وكان بعض المشرق وكثير من جنده يميل إليهم، وفي ذلك الوقت صنف الناس الكتب في كشف أسرارهم وهتك أستارهم، مثل الكتاب الذي صنفه
القاضي أبو بكر [ ص: 271 ] الباقلاني، وغيره، وقد صنف مثل ذلك وبعده كتب أخر. وإنما المقصود التنبيه على ما يتعلق بما نحن فيه.
وكان هذا مما دعا ( القادر ) إلى إظهار السنة وقمع أهل البدع، فكتب الاعتقاد القادري المنسوب إليه، وهو في الأصل من جمع الشيخ
أبي أحمد القصاب وهو من أجل المشايخ
[ ص: 272 ] وأعلمهم وله لسان صدق عظيم، وأمر القادر باستتابة من خالف ذلك من
المعتزلة وغيرهم وقام الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد الإسفراييني إمام
الشافعية والشيخ
أبو عبد الله بن حامد إمام
الحنابلة على
[ ص: 273 ] nindex.php?page=showalam&ids=12605ابن الباقلاني بسبب ما ينسب إليه من بدعة
nindex.php?page=showalam&ids=13711الأشعري، وجبت أمور بلغتنا مجملة غير مفصلة، وصنف
nindex.php?page=showalam&ids=12605ابن الباقلاني كتابه المعروف في الرد على من ينسب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=13711الأشعري خلاف قوله، واعتمد
nindex.php?page=showalam&ids=14503السلطان محمود بن سبكتكين في مملكته نحو هذا، وزاد عليه بأن أمر بلعنة أهل البدع على المنابر، فلعنت
الجهمية والرافضة والحرورية والمعتزلة والقدرية، ولعنت أيضا
الأشعرية حتى جرى بسبب ذلك نزاع وفتنة بين
الشافعية [ ص: 274 ] والحنفية وغيرهم: قوم يقولون: هم من أهل البدع فيلعنون، وقوم يقولون: ليسوا من أهل البدع فلا يلعنون، وجرت
nindex.php?page=showalam&ids=13428لابن فورك محنة
بأصبهان، وجرت له مناظرة مع
ابن الهيصم بحضرة هذا
nindex.php?page=showalam&ids=14503السلطان محمود، وكان يحب الإسلام والسنة مستنصرا بالإسلام عارفا به، غزا المشركين من أهل
الهند وفتح
الهند، وروي أنه قتل عشرة آلاف زنديق.
فكان مما حكاه
ميمون النسفي الحنفي في
[ ص: 275 ] كتابه، وهو من
نفاة العلو: أن السلطان فهم كلام الطائفتين وفهم ما ذكرته المثبتة من أن أقوال النفاة توجب تعطيله، وأنهم قالوا: لو أردنا أن نصف المعدوم لم نصفه إلا بهذه الصفة: بأنه لا داخل العالم ولا خارجه، أو كلاما هذا معناه،
nindex.php?page=showalam&ids=13428وابن فورك عجز عن جواب هذا حتى كتب فيه إلى
nindex.php?page=showalam&ids=11812أبي إسحاق الإسفراييني وأن
nindex.php?page=showalam&ids=11812الإسفراييني لم يجب أيضا بما يدفع به ذلك
[ ص: 276 ] إلا أن قال: يلزم من الإثبات أن يكون جسما أو نحو هذا.