وأما طرد هذه الحجة في الإدراكات الأربعة هي: السمع واللمس والشم والذوق. فإنه وإن كان طردها طائفة من الصفاتية
nindex.php?page=showalam&ids=13711كالأشعري وأئمة أصحابه فلا يحتاج إلى ذلك عند التأمل، بل يفصل الأمر فيه، وإذا فصل تفصيلا يقتضيه العقل الصريح كان ذلك موافقا لما جاءت به الآثار وعليه أئمة الحديث، وذلك أن السمع لم يتعلق بالجواهر والأعراض كالرؤية، وإنما يتعلق بنوع من الأعراض وهو الأصوات مثلا، فإذا لم يكن متعلقا بشيء قائم بنفسه، كيف يمكن طرده في كل موجود قائم بنفسه حتى يقال: إنه يمكن سمعه.
أما اللمس فإنه يتعلق بالجواهر والأعراض وهو الذي أورده من جهة الإلزام، فلزم لزوما واضحا، لكن قاسوا عليه بقية
[ ص: 343 ] الإدراكات، فلا جرم جاءت الأحاديث بثبوت المماسة كما دل على ذلك القرآن، وقاله أئمة السلف، وهو نظير الرؤية، وهو متعلق
بمسألة العرش، وخلق آدم بيده، وغير ذلك من مسائل الصفات. وإن كان قد نفاه طوائف من أهل الكلام والحديث من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد وغيرهم، وليس هذا موضع الكلام فيه، وإنما الغرض التنبيه على مجامع هذه الحجة.
وأما الذوق فهو مس خاص، وكذلك الشم مس خاص فإن الهواء وهو جسم يدخل إلى المنخرين إلى الزائدة التي في الدماغ بخلاف السمع والبصر فإنه ليس فيهما مماسة المرئي والمسموع، ولهذا كانت أصول الإحساس ثلاثة: السمع والبصر والمس، قال تعالى:
وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم [فصلت: 22].
ولما كان اللمس جنسا تحته أنواع مختلفة في الحيوان، وليس طريقا عاما إلى حصول العلم الكلي المجرد في القلب
[ ص: 344 ] -بل نفس الإحساس وما يتبعه من ملاءمة ومنافرة فيه خصوص في سببه ومقصوده بخلاف السمع والبصر فإنهما طريقان إلى حصول العلم فيهما العلم الكلي في القلب والبصر يحصل به العلم بنفس الحقائق الموجودة، والسمع يحصل به العلم بما يقال من أسمائها وصفاتها- كان السمع والبصر في كتاب الله مخصوصين بالذكر دون غيرهما من الإحساس.