وهذا التحرير يظهر الجواب عن السؤال الخامس وهو
قوله: " لا نسلم أنا ما وجدنا لهذا الحكم علة سوى الحدوث أو الوجود". بيانه من وجهين:
الأول:" أنه من المحتمل أن يقال: المقتضي لقولنا: إن الشيء إما أن يكون محايثا للعالم أو مباينا عنه بالجهة، وهو كونه بحيث تصح الإشارة الحسية، لأن كل شيئين صح الإشارة إليهما، فإما أن تكون الإشارة إلى أحدهما عين الإشارة إلى الآخر" أو غيره.
فيقال له: كونه بحيث تصح الإشارة الحسية إليه إما أن يكون مطابقا للوجود في العموم والخصوص، بحيث يقال:
[ ص: 361 ] الموجود لا بد أن تصح الإشارة الحسية أصلا أو تبعا، وأن كل موجودين فلا بد أن تكون الإشارة إلى أحدهما عين الإشارة إلى الآخر أو غيره أو يكون أخص منه فإن كان مطابقا له حصل المقصود، وكذلك إذا كان أعلم منه بطريق الأولى، لأنه حينئذ تكون الحجة دليلا على شيئين على صحة الإشارة الحسية إليه، وعلى كونه مباينا للعالم. وإن كانت صحة الإشارة إليه أخص من الوجود بحيث تصح الإشارة الحسية إلى بعض الموجودات دون بعض، فإن كان واجب الوجود داخلا في ذلك صحت الحجة أيضا. وإن لم يكن داخلا في ذلك كانت صحة الإشارة مستلزما للحدوث، فيكون التعليل بصحة الإشارة الحسية تعليلا بما يستلزم الحدوث والتعليل بنفس الحدوث كالتعليل بما يستلزم الحدوث كما سنبينه إن شاء الله.
وأما قوله في الوجه الثاني: " إن الجواهر والأعراض مشتركان في الأمر الذي به وقعت المخالفة بينهما وبين الباري، فلم لا يجوز أن يكون هذا هو المقتضي لقبول الانقسام إلى المباين والمحايث وحينئذ يبطل قوله لا مشترك بينهما إلا الحدوث".
[ ص: 362 ] يقال: هذه المخالفة لذات الباري المشتركة بينهما هي مستلزمة للحدوث، فإنها من خصائصها لا توجد في الباري وما يختص المحدث مستلزم للحدوث. وإذا كان كذلك كان حكمه حكم الحدوث، فإن قولهم هو الوجود أو الحدوث. كل وصف يستلزم الحدوث فحكمه كحكمه في ذلك، وكل وصف لازم للوجود بحيث يلزم من عدمه عدم الوجود هو كالوجود، فإن رفع التعليل به يقتضي رفع التعليل بالوجود، كما تقدم بيانه.