ثم قال
القول في «الجهة»: «وأما هذه الصفة فلم يزل أهل الشريعة من أول الأمر يثبتونها لله سبحانه، حتى نفتها المعتزلة، ثم تبعها على نفيها متأخرو
الأشعرية كأبي المعالي ومن اقتدى بقوله، وظواهر الشرع كلها تقتضي إثبات الجهة، مثل قوله تعالى:
الرحمن على العرش استوى [طه: 5] ومثل قوله تعالى:
وسع كرسيه السماوات والأرض [البقرة: 255] ومثل قوله تعالى:
ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية [الحاقة: 17] ومثل قوله تعالى:
يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون [السجدة: 5] ومثل قوله تعالى:
تعرج الملائكة والروح إليه [المعارج: 4] الآية، ومثل قوله تعالى:
أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور [ ص: 249 ] [الملك: 16] إلى غير ذلك من الآيات، التي إن سلط التأويل عليها عاد الشرع كله مؤولا. وإن قيل فيها: إنها من المتشابهات، عاد الشرع كله متشابها; لأن الشرائع كلها مبنية على أن الله في السماء. وأن منه تنزل الملائكة بالوحي إلى النبيين، وأن من السماء نزلت الكتب، وإليها كان الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم، حتى قرب من سدرة المنتهى، وجميع الحكماء قد اتفقوا على أن الله والملائكة في السماء، كما اتفقت جميع الشرائع على ذلك.
والشبهة التي قادت نفاة الجهة إلى نفيها، هي أنهم اعتقدوا أن إثبات الجهة يوجب إثبات المكان، وإثبات المكان يوجب إثبات الجسمية، ونحن نقول: إن هذا كله غير لازم; فإن الجهة غير المكان، وذلك أن الجهة هي إما سطوح الجسم نفسه المحيطة به وهي ستة، وبهذا نقول».