والوجود من حيث هو وجود كالثبوت، والكون وكونه حقا، وهذا القدر ثابت لكل ما خلقه وسواه،
وهو سبحانه رب كل موجود سواه، وخالقه وباريه ليس كمثله شيء من ذلك، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
وهذا الموضع قد أوسعنا القول فيه في مواضع غير هذا، وهو منشأ الاشتراك والضلال في طوائف من
الفلاسفة والاتحادية وسائر الملاحدة الذين يعمهم معنى
الجهمية، وإن كان لبعضهم عن بعض في ذلك مزية.
ومنشأ هذا من القياس الفاسد
والتمثيل برب العالمين والتسوية بينه وبين غيره، كما قال تعالى:
فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين وما أضلنا إلا المجرمون [الشعراء: 94-99] وأصل الإشراك الذي هو من القياس الفاسد هو من إبليس أول من قاس قياسا
[ ص: 377 ] فاسدا، وهو إمام المشركين وقائدهم، ولا ينجو منه إلا المخلصون الذين أثبتوا لله ما يختص به من الصفات والعبادات، كما قال:
فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين [ص: 82-83] وقال تعالى:
إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون [النحل: 99-100] وهذا باب واسع ليس هذا موضعه.
وذلك أنهم يجردون أسماء هذا وصفاته، وأسماء هذا وصفاته، فيسوون بينهما، ويجردون القدر المشترك بينهما فيثبتونه حقيقة خارجة، وقد يجعلون هذا الذي جردوه هم بأذهانهم فقدروه في أنفسهم هو الحقيقة الموجودة في الخارج، ثم قد يجعلون هذا ثابتا لكل موجود في الخارج، كقولهم: هو في كل مكان بذاته. وقولهم: هو نفس وجود
[ ص: 378 ] الموجودات وهو الوجود المطلق، ونحو ذلك.