الوجه السادس: أن هذا المؤسس ذكر في " نهايته " في
مسألة الرؤية ما احتج به النفاة من الحجج العقلية والسمعية، وذكر أن أعظم حججهم العقلية حجتان:
[ ص: 463 ] أحدهما: حجة الموانع. قالوا: لو صح منا رؤية الله في حال من الحالات لصح أن نراه الآن، ولو صح أن نراه الآن لوجب أن نراه الآن: لكنه لم يجب أن نراه الآن، فلا يصح أن نراه في حال من الأحوال. وإنما قلنا إنه لو صح أن نراه في حال من الأحوال لصح أن نراه الآن، لأن كونه بحال يصح أن يرى حكم يثبت له: إما لذاته وإما لبعض ما يلزم ذاته، وعلى التقديرين فإنه يلزم من استمرار ذاته استمرار هذه الصحة. وإنما قلنا: إنه لو صح أن نراه الآن لوجب أن نراه الآن، لأن الحاسة إن كانت صحيحة والمرئي يكون حاضرا ولا يكون على القرب القريب، ولا على البعد البعيد، ولا يكون في غاية الصغر واللطافة، ويكون مقابلا للرائي أو لآلة الرؤية، أو لا تكون الحجب حائلة، فإنه يجب حصول الرؤية: إذ لو لم يجب
[ ص: 464 ] حصولها عند حصول هذه الأمور لجاز أن يكون بين أيدينا جبال شاهقة ونحن لا ندركها، وذلك محال على ما سبق بيانه في مسألة الإدراك. فإذا ثبت ذلك فهذه الشرائط لا يمكن اعتبارها في حق الله تعالى، لأنها لا تعقل إلا في حق الأجسام أو ما يقوم بها، وإذا لم يمكن اعتبار هذه الشرائط في حق الله لرؤيته وجب أن يكون مجرد سلامة الحس، وكونه تعالى بحيث يصح رؤيته كافيا في حصول رؤيته، فلزم أن تدوم رؤية أصحاب الحواس لله تعالى، وذلك باطل بالضرورة، فثبت أن القول بأن الله تعالى يصح أن يرى يفضي إلى الباطل، وما يفضي إلى الباطل يكون باطلا".
ثم قال في " الجواب عما تمسكوا به أولا أن نقول: إن مدار هذه الشبهة على أن هذه الحاسة متى كانت سليمة وكان المرئي حاضرا، والشرائط تكون حاصلة، فإنه يجب حصول هذه الرؤية.
قال: ونحن قد بينا فيما مضى أن ذلك غير واجب بأدلة
[ ص: 465 ] عقلية قاطعة لا يرتاب العاقل فيها، وأجبنا عن شكوكهم بأجوبة يقينية لا حاجة بنا إلى إعادتها. وإذا كان كذلك سقطت هذه الشبهة".