وهذا الذي أحال عليه قد ذكره في مسألة السمع والبصر، وهي مسألة الإدراك، فذكر الفصل الأول في حقيقته.
ثم قال: " الفصل الثاني في كيفية حصول هذه المدركية زعمت المعتزلية أنه مهما كانت الحاسة سليمة والمرئي حاضرا، ولا يكون على القرب القريب ولا على البعد البعيد ولا يكون صغيرا جدا ولا لطيفا، ولا يكون بين الرائي والمرئي حجب كثيفة، وكان المرئي مقابلا للرائي، أو في حكم المقابلة، فعند اجتماع هذه الشرائط يجب حصول الإدراك، وعندنا أن ذلك غير واجب وهو مذهب
أبي الهذيل من
المعتزلة".
ثم ذكر لهم حجتين:
ثم قال: " وأما المخالفون فلهم في هذه المسألة مقامان:
[ ص: 466 ] تارة بدعوى الضرورة، وتارة بدعوى الاستدلال. أما الأول: فتارة يدعون أن ذلك العلم الضروري حاصل للعقلاء بعد الاختبار، ولا حاجة فيه إلى ضرب الأمثال. وتارة يثبتون بالاستدلال أن ذلك معلوم بالضرورة.. " وبسط كلامهم في ذلك. ثم قال: والجواب أن نقول: " إما أن تدعي الضروري بحصول الإدراك عند حضور هذه الأمور أو بعدمه عند عدمها، والأول لا نزاع فيه، والثاني فيه كل النزاع، فإن زعمت أنا مكابرون في هذا الإنكار حلفنا بالأيمان المغلظة أنا لما رجعنا إلى أنفسنا لم نجد العلم بذلك أكثر من العلم باستمرار الأمور العادية التي توافقنا على جواز تغييرها عن مجاريها، فهذا الجواب الذي ذكره يقتضي أنه وافق على أن العلم الضروري حاصل بوجود الرؤية عند وجود هذه الشرائط، وهذا هو أول المسألة، فإنه حكى عن
المعتزلة أنه متى تجتمع هذه الشرائط يجب حصول الإدراك. قال: " وعندنا أن ذلك غير واجب". فإذا سلم أن العلم الضروري بحصول الإدراك عند حصول هذه الأمور لا نزاع فيه، كان قد وافق على ما ذكر فيه
[ ص: 467 ] النزاع، وإذا كان كذلك ظهر أن ما ذكره من الجواب في
مسألة الرؤية وهو قوله: " إن مدار هذه الشبهة على أن هذه الحاسة متى كانت سليمة وكان المرئي حاضرا فإنه يجب حصول هذه الرؤية".
قال: ونحن قد بينا فيما مضى أن ذلك غير واجب. وكلامه فيما مضى قد وافق فيه على وجوب الرؤية عند وجود الشروط، لكن لم يوافق على وجوب عدمها عند عدم الشروط، وإذا لم يذكر جوابا عن حجتهم إلا هذا، وهذا ليس بجواب صحيح بقيت حجتهم على حالها، وإذا كان كذلك لم يصح نفيه لما اتفقت عليه
المعتزلة والكرامية.