الوجه العاشر: أن قوله: " لم قلتم: إن كل ما كان كذلك في الشاهد وجب أن يكون في الغائب كذلك، وتقريره أن هذه المقدمة إما أن تكون مقدمة بديهية أو استدلالية" يقال له: المنازع يقول إنها بديهية.
قوله: " فإن كانت بديهية لم يكن في إثبات كونه تعالى مختصا بالجهة حاجة إلى هذا الدليل، وذلك لأنه قد ثبت في الشاهد أن كل قائم بالنفس فهو مختص بالجهة، وثبت أن الباري قائم بالنفس، فوجب القطع بأنه مختص بالجهة، لأن العلم الضروري بأن كل ما يثبت في الشاهد وجب أن يكون في الغائب كذلك ".
يقال له: إن المنازع لا يقرر الحجة على هذا الوجه، ولا يدعي أن كل ما يثبت في الشاهد، فإنه يجب أن يكون في الغائب كذلك، وهذا لا يقوله عاقل، والفرق ظاهر بين دعوى الضرورة والبديهة في الشيء المعين الخاص، والشيء العام الكلي.
فإذا قال القائل: العلم الضروري بأن كل مرئي في الشاهد والغائب لا بد أن يكون بجهة من الرائي، أو العلم الضروري حاصل بأن الغائب كالشاهد في هذا الأمر الخاص. لم يستلزم هذا أن يقول: إن العلم الضروري حاصل بأن كل ما يثبت في الشاهد وجب أن يكون في الغائب كذلك. والمقدمة المذكورة هي قوله: كل
[ ص: 475 ] مرئي فلا بد وأن يكون في الجهة. وهذا قالوه قولا عاما مطلقا لم يثبتوه بقياس الغائب على الشاهد حتى يصوغوه الصوغ الذي ذكره، ويدخل فيه تلك القضية العامة الكاذبة.