الوجه العاشر:
قوله: " وأيضا أنه تعالى جعل العرش قبلة لدعائنا كما جعل الكعبة قبلة لصلاتنا يقال له: هذا باطل معلوم بالاضطرار بطلانه عقلا ودينا، وذلك يظهر بوجوه:
أحدها: أن المسلمين مجمعون على أن القبلة التي يشرع للداعي استقبالها حين الدعاء، هي القبلة التي شرع استقبالها حين الصلاة، فكذلك هي التي شرع استقبالها حين ذكر الله، كما تستقبل
بعرفة والمزدلفة وعلى
الصفا والمروة، وكما يستحب لكل ذاكر لله وداع أن يستقبل القبلة كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقصد أن
يستقبل القبلة حين الدعاء، وكذلك هي التي يشرع استقبالها بتوجيه الميت إليها وتوجيه النسائك والذبائح إليها، وهي التي ينهى عن استقبالها بالبول والغائط، فليس للمسلمين بل ولا لغيرهم قبلتان أصلا في العبادات التي هي من جنسين
[ ص: 530 ] كالصلاة والنسك فضلا عن العبادات التي هي من جنس واحد، وبعضها متصل ببعض، فإن الصلاة فيها الدعاء في الفاتحة وغيرها، والدعاء نفسه هو الصلاة قد سماه الله في كتابه صلاة حيث قال:
وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم [التوبة: 103].
وفي الصحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=51عبد الله بن أبي أوفى nindex.php?page=hadith&LINKID=651402أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه قوم بصدقتهم صلى عليهم، وإن أبي أتاه بصدقة فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى".
، وقد قال تعالى:
يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما وقد
علم النبي صلى الله عليه وسلم أمته الصلاة عليه في غير حديث في الصحاح وغيرها، في جميعها إنما يعلمهم الدعاء له بصلاة الله وبركاته، كما قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=682168 " قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على [ ص: 531 ] إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وقد بسطنا الكلام على هذا في غير هذا الموضع، بحيث تكلمنا على
مسمى الصلاة في اللغة الذي هو الدعاء، وأن الصلاة المشروعة هي دعاء كلها، فإن الدعاء هو قصد المدعو تارة لذاته وتارة لمسألته أمرا منه، وهذا كالشخص يدعو غيره ويطلبه ويقصده تارة لذاته وتارة لأمر يطلبه منه، والصلاة تتضمن هذين النوعين: عبادة الله والثناء عليه، والسؤال له.
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم النوعين في الحديث الذي في صحيح مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=hadith&LINKID=680287عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله سبحانه وتعالى: " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي: نصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين قال الله: حمدني عبدي. فإذا قال: الرحمن الرحيم قال الله: أثنى علي عبدي. فإذا قال العبد: مالك يوم الدين قال الله: مجدني عبدي، أو قال فوض إلي عبدي. فإذا قال العبد: إياك نعبد وإياك نستعين قال الله: هذه الآية بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل. فإذا قال العبد: [ ص: 532 ] اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال الله: فهؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل".
فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه أنه قال: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=680287قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين " ومسمى الصلاة في اللغة قد قالوا: إنه مسمى الدعاء، والدعاء نوعان كما تقدم، والنصف الذي للرب جل وعلا هو الثناء عليه، والمقصود بذلك نفسه سبحانه وتعالى، فهو بذلك معبود مقصود مدعو لنفسه، والنصف الآخر الذي للعبد هو السؤال والطلب منه، وهو بذلك يقصد لذلك الأمر ويسأل ويطلب منه، وهو ( الصمد ) في الأمرين لا يصلح لغيره لا هذا الصمد ولا هذا الصمد، وهو أيضا ( أحد ) في هذين لا يصلح لغيره أن يكون هو المعبود ولا أن يكون هو المتوكل عليه المستعان به المسئول منه، فهو الأحد الصمد في النصف الذي له كقوله:
إياك نعبد وهو الأحد الصمد في النصف الذي للعبد كقوله:
وإياك نستعين ولهذا قال من قال من السلف: " إن الله سبحانه أنزل مائة كتاب وأربعة كتب، جمع معانيها في الأربعة، وجميع معاني الأربعة في القرآن، وجميع معاني القرآن في المفصل، وجميع معاني المفصل في أم القرآن، وجمع معاني أم القرآن في قوله:
إياك نعبد وإياك نستعين .