الوجه الرابع وهو الثالث عشر: أن القبلة أمر تتميز به الملل ويقبل النسخ والتبديل كما قال تعالى:
قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين الذين آتيناهم الكتاب إلى قوله:
ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا [البقرة: 144-148] فأخبر سبحانه أن لكل أمة وجهة يستقبلونها،
[ ص: 547 ] وولى
محمدا قبلة يرضاها، فأمره بأن يولي وجهه شطر
المسجد الحرام بعد أن كان قد أمره أن يصلي إلى
بيت المقدس هو وأمته، فصلى إلى
بيت المقدس بعد مقدمه
المدينة بضعة عشر شهرا، وصلى إليها قبل مقدمه
المدينة، وقد روي أنه كان
بمكة يجعل
الكعبة بينه وبين
المسجد الأقصى.
وإذا كانت القبلة أمرا يقبل النسخ والتبديل، وهو مختلف في أمر الملل، فيجب على هذا التقدير إذا كان العرش أو السماء قد جعل قبلة للدعاء أن يجوز تغيير ذلك وتبديله حتى يجوز أن يدعى الله إلى نحو الأرض، ويجوز أن يدعوه الإنسان من الجهات الست، ويمد يده وعينيه إلى سائر جهاته، وأن يكون ذلك قبلة لبعض الداعين دون بعض. وهذا مع أنه قد ذكر غير
[ ص: 548 ] واحد إجماع المسلمين على تخطئة قائله وفاعله، فالعلم بذلك اضطراري، فإن
بني آدم مفطورون على أن لا يتوجهوا بقلوبهم وأيديهم إلى غير الجهة العالية ولا يقصدوا الله من تحت أقدامهم، ويمدوا أيديهم إلى تلك الجهة السافلة ولا إلى غير الجهة العالية.