الوجه السابع عشر:
أن يقال: ما ذكره من «أنه لو كانت ذاته مساوية لسائر الذوات، في هذه الصفات، لزم افتقاره إلى خالق آخر، ولزم التسلسل، أو لزم القول بأن الإمكان والحدوث غير محوج إلى الخالق، وذلك يلزم منه نفي الصانع» فهذه الحجة وإن كانت في نفسها صحيحة، تدل على نفي هذه النقائص، فليست حجة على نفي التمثيل والتشبيه، فإن هذه النقائص يجب نفيها مطلقا، وأما صفات الكمال، فيجب نفي التشبيه والتمثيل فيها، فإن قوله: «لو كانت ذاته مساوية لسائر الذوات في هذه الصفات». فرض في الدليل من غير حاجة إليه، وتخصيص موهم، في هذه الصفات لا يستلزم ذلك، وليس ناف فرض المساواة، في غير هذه
[ ص: 297 ] الصفات، ولا يستلزم ذلك، وليس الأمر كذلك، بل المساواة في أي صفة فرضت، تستلزم المحال، والجمع بين النقيضين. وأما هذه الصفات المذكورة، فلا يحتاج تنزيهه عنها إلى أن ينفي عنه مساواته لسائر الذوات في ذلك، بل هذه منتفية عنه، مع قطع النظر عن التشبيه والتمثيل; فإن انتفاء الموت والمرض، وغير ذلك عنه، لم ينف لمجرد لزومه التشبيه والتمثيل.
ولهذا لو قيل: لو جازت عليه هذه الصفات، للزم افتقاره إلى خالق آخر، لأن هذه مستلزمة للعدم، وجواز العدم - كان دليلا صحيحا، من غير أن يقال: لو كانت ذاته مساوية لسائر الذوات في هذه الصفات. وهذه الحجة مثل أن يقال: لو كانت ذاته مساوية للذات، الجاهلة والعاجزة في العجز والجهل، امتنع خلق العالم منه ونحو ذلك. فذكر المساواة والمماثلة، في مثل هذا الدليل غلط فاحش، لأن هذه النقائص، إذا ضم إليها المقدمة، التي يقف الدليل عليها، يجب تنزهه عن قليلها وكثيرها، لوجوب اتصافه بأضدادها، لما في ذلك من المماثلة لتلك الذوات، بل تنزيهه عن مساواة تلك الذوات، يوهم أنه
[ ص: 298 ] لا ينزه إلا عن المساواة فيها فقط، وليس الأمر كذلك.