الوجه الحادي عشر: أنه
قد ثبت بالشرع والعقل أن الله سبحانه ليس كمثله شيء، وأن حقيقته لا تماثلها حقيقة؛ وذلك أنه لو كان له مثل، والمثلان يجوز ويجب ويمتنع على أحدهما ما يجوز ويجب ويمتنع على الآخر، لوجب للمخلوق ما يجب له من الوجوب والقدم والخلق وسائر خصائص الربوبية، ولجاز عليه ما يجوز على المخلوق من العدم والحاجة والحدوث وسائر صفات النقص، ولامتنع على المخلوق ما يمتنع عليه من العدم ونحو ذلك، وذلك يستلزم أن يكون الشيء موجودا معدوما، قديما محدثا، خالقا مخلوقا، واجبا ممكنا، إلى غير ذلك من الأمور المتناقضة.
وإذا كان كذلك؛ فمن المعلوم أن عدم مماثلته لشيء من المخلوقات أعظم من عدم مماثلة المخلوق للمخلوق؛ إذ المخلوقات تشترك في كثير مما يجوز ويجب ويمتنع عليها.
[ ص: 43 ] وإذا كان عدم مماثلته للعالم أعظم فالمباينة والمخالفة ونحوها تتبع عدم المماثلة؛ فكلما كان الشيء عن مماثلة الشيء أبعد كانت مباينته له ومخالفته له أعظم، وذلك يوجب أن تكون مباينته له أعظم من مباينته كل جوهر وكل عرض، لكل جوهر ولكل عرض، فإذا لم يكن مباينا إلا بالحقيقة والزمان لم يكن كذلك، فعلم أن ذلك باطل.