الوجه الثاني عشر:
أن يقال: لو كان لا يباين العالم إلا بالحقيقة والزمان، وهذه المباينة يشاركه فيها الجواهر وما يقوم بها من الأعراض، لم يكن لمباينته للعالم قدر زائد على مباينة الجوهر للعرض، وإذا انتفت المباينة الزائدة ثبتت المماثلة والمشابهة في المباينة؛ فإن الشيئين إذا كان كل منهما لا يباين ما يباينه إلا بالحقيقة والزمان، كانت نسبة كل منهما إلى ما يباينه كنسبة الآخر إلى ما يباينه، فتكون نسبته إلى العالم كنسبة كل من الجواهر والأعراض المخلوقة إلى الآخر.
أكثر ما يقال: إن حقيقته أكثر مباينة لحقيقة غيره من الجوهر للعرض، والعرض للعرض كما أن تقدمه للعالم أعظم من تقدم بعض العالم لبعض؛ لكن بكل حال إذا كانت مباينته من جنس المباينة بالحقيقة والزمان لم يخرج عما يجوز على هذا
[ ص: 44 ] الجنس، كما أنه إذا كان موجودا وقائما بنفسه، لم يخرج عما يجوز على جنس الموجود والقائم بنفسه؛ فإذا كان الموجود والقائم بنفسه لا يكون إلا واجبا أو ممكنا ولا يكون إلا قديما أو محدثا لم يخرج عن أحد القسمين.
وإذا كان التباين بالحقيقة أو الزمان لا يخرج عن أن يكون محلا لحال يقوم به، أو حالا في محل، والحال مفتقر إلى محله، والمحل لا يوجد بدون وجود الحال فيه -إذ العرض مفتقر إلى الجوهر، والجوهر مستلزم للعرض، وقد يقال: هو محتاج إليه أيضا- لزم إذا جعل حالا في العالم أن يكون مفتقرا إلى العالم محتاجا إليه، لا يقوم وجوده إلا بالعالم مع أن العالم قائم بنفسه بدونه، وهذا يقتضي أن يكون العالم غنيا عن الله تعالى / والله مفتقر إليه، وأن يكون هو إلى العالم أحوج من العالم إليه، أو أن يكون كل منهما محتاجا إلى الآخر.