وهذا قد صرح به الاتحادية كصاحب "الفصوص" وقال [ ص: 45 ] بأن العالم والحق كل منهما محتاج إلى الآخر، ونحو ذلك مما قد ذكرناه في غير هذا الموضع ويقول إن أعيان العالم هي ثابتة في العدم، مستغنية عن الحق، وأن وجود الحق ظهر فيها. وهذا من جنس حلوله في تلك الأعيان؛ لكن هما متحدان، لا يتميز الحال عن المحل؛ ولهذا يقول بنوع الحلول وبنوع من الاتحاد وهو في ذلك متناقض كتناقض النصارى في [ ص: 46 ] الحلول والاتحاد الخاص بالمسيح؛ وذلك لأنه يجعل الثبوت غير الوجود كما يقوله من يقول المعدوم شيء، وهذا باطل. وإن كان محققو هؤلاء لا يرضون بالحلول الذي يقتضي اثنين حالا ومحلا؛ بل عندهم ما ثم إلا وجود واحد. ومنهم من يقول: هو الوجود المطلق. وإن كان المطلق لا وجود له في الخارج إلا معينا مخصصا فيكون هو وجود المخلوقات بعينه. ومنهم من يصرح بذلك فيقول: هو عين الموجودات؛ لا يفرق بين ثبوت ووجود، ولا بين مطلق ومعين فهؤلاء يجعلونه نفس المخلوقات. فالحلول والاتحاد المطلق يشبه الحلول والاتحاد المعين.
وكما أن النصارى في
المسيح منهم من يقول: اللاهوت والناسوت جوهر واحد، وصفة واحدة.
كاليعقوبية القائلين
[ ص: 47 ] بأن اللاهوت والناسوت اتحدا كاتحاد الماء واللبن، وبأن نفس المصلوب المسمر هو خالق العالم. ومنهم من يقول بالحلول كحلول الماء في الظرف
كالنسطورية القائلين بأنهما جوهران وطبيعتان وأقنومان. ومنهم من يقول بالحلول من وجه وبالاتحاد من وجه
كالملكانية الذين يقولون كالنار في الحديدة.