فهؤلاء الذين يقولون بالحلول والاتحاد المطلق في المخلوقات جميعها من الجهمية، قولهم ذلك شر من مقالة النصارى في الاتحاد؛ فإن قولهم من جنس قول المشركين والمعطلين وهم شر حال من النصارى، وذلك من وجهين:
[ ص: 48 ] أحدهما: أن النصارى قالوا بالاتحاد والحلول في شخص واحد، وهؤلاء قالوا إنه في العالم كله، حتى ذكروا عن صاحب "الفصوص" أنه قال: النصارى ما كفروا إلا لأنهم خصصوا. وقال ذلك
التلمساني وغيره من شيوخهم، وقد صرح في غير موضع بأن المشركين عباد الأوثان إنما أخطأوا من حيث عبادة بعض الأشياء دون البعض، والمحقق عندهم من يعبد كل شيء، ويرى كل شيء عابدا للحق ومعبودا له،
وكل من عبد شيئا غير الله عنده فما عبد إلا الله. وهذا يجمع كل شرك في العالم مع قوله: إن الشريك هو الله، كما زعمت النصارى أن الله هو
المسيح ابن مريم، ولهذا كثيرا ما يصرح شيوخ
الجهمية بأن الله في العالم كالزبد في اللبن، وهذا قول
اليعقوبية في
المسيح. وقد قالوا في مجموع الوجود ما يقوله النصارى في
المسيح.