الوجه الثاني: أن النصارى يقولون بأن الاتحاد والحلول فعل من أفعال الرب، وأن اللاهوت اتحد بالناسوت مرة، وانفصل عنه أخرى. وهؤلاء عندهم ما يتصور أن يتميز وجود الحق عن المخلوقات ولا يباينها ولا ينفصل عنها، وهؤلاء الاتحادية
[ ص: 49 ] هم أكفر وأضل ممن يقول إن الله تعالى بذاته في كل مكان، ونحو ذلك من المقالات الشنيعة المتقدمة؛ ولكن هم مشاركون لهم في أصل المقالة، وزائدون عليهم في الضلالة.
والمقصود هنا: التنبيه على
أن أولئك الجهمية الذين لا يثبتون المباينة يضطرون إلى أن يجعلوا الرب مفتقرا إلى العالم إذا جعلوه حالا فيه مع استغناء العالم عنه؛ وإن جعلوه محلا له مع أن ذاته لا تباين ذات العالم، بل تحايثه كما هو قولهم؛ فإنهم يقولون بأنه لا وجود للرب إلا بوجود العالم، ولا يمكن وجود الرب بدون وجود العالم، كما لا يمكن وجود المحل الذي هو الجوهر أو الهيولى بدون ما يحل فيه من الأعراض أو الصورة، فيكون العالم مقوما لوجود الرب. والرب محتاج إليه أيضا، وهو أعظم من قدم جميع العالم.