وقال
أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري الملقب شيخ الإسلام في "كتاب الصفات" له "باب إثبات استواء الله على عرشه فوق السماء السابعة بائنا من خلقه من الكتاب والسنة" فذكر رحمه الله دلالات ذلك من الكتاب والسنة. إلى أن قال: "ففي أخبار شتى
أن الله تعالى فوق السماء السابعة على العرش بنفسه، وهو ينظر كيف يعملون، وعلمه وقدرته واستماعه ونظره ورحمته في كل مكان".
وهذا باب واسع لا يحصيه إلا الله تعالى؛ فإن الذين نقلوا إجماع السلف، أو إجماع أهل السنة، أو إجماع الصحابة والتابعين على أن الله فوق العرش، بائن من خلقه، لا يحصيهم
[ ص: 70 ] إلا الله وما من أحد من هؤلاء المذكورين إلا وشهرته في الإسلام بالعلم والدين أعظم من أن يتسع لها هذا الموضع، وإن كان بعضهم أفضل من بعض وفي شيء دون شيء، وما زال علماء السلف يثبتون المباينة، ويردون قول
الجهمية بنفيها مع أن نفيها بالحقيقة أو الزمان لا ينكره أحد، وإنما ينكرون المباينة بالجهة. ثم هم مضطربون في ثبوت المحايثة وعدمها كما تقدم، وإثبات المحايثة أقرب إلى الفطر ابتداء من نفي المباينة والمحايثة، ولهذا كان هذا هو الذي تتظاهر به
الجهمية، وإن كان منهم من يتأول قوله إنه في كل مكان، بمعنى علمه وقدرته؛ لكن منهم من يقول: إن ذاته في كل مكان. وهو قول طوائف من علمائهم وعبادهم، حتى قالوا: إنه نفس وجود الأمكنة، ومعلوم أن في هذا من الفساد أمورا كثيرة من وصف الله تعالى بالنقائص والعيوب وما هو منزه عنه، وقد التزم ذلك جميعه من التزمه من هؤلاء كالاتحادية، وقالوا: إن من كماله أن يكون هو الموصوف بكل مدح وذم ولعن وشتم، وهو الناكح والمنكوح والشاتم والمشتوم وأمثال ذلك مما هو من أعظم الكفر والسب والشتم والإلحاد والمحادة لرب العالمين. فكان السلف
[ ص: 71 ] يحتجون على الجهمية بما يلزم قولهم من كونه مخالطا للأجسام المذمومة من النجاسات والشياطين.
وقد أخذ هذه الحجة عنهم من اتبعهم في ذلك من متكلمة الصفاتية ونحوهم، كما ذكر القاضي
nindex.php?page=showalam&ids=12604أبو بكر الباقلاني في غير موضع من كتبه قال: "فإن قال قائل: فهل تقولون إن الله في كل مكان؟ قيل له: معاذ الله؛ بل مستو على العرش كما أخبر في كتابه فقال:
الرحمن على العرش استوى [طه: 5] وقال:
إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه [فاطر: 10]
[ ص: 72 ] وقال:
أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور [الملك: 16]" وذكر آيات أخر. إلى أن قال: "ولو كان في كل مكان لكان في بطن الإنسان وفمه وفي الحشوش والمواضع التي يرغب عن ذكرها، ولوجب أن يزيد بزيادة الأمكنة إذا خلق منها ما لم يكن، وينقص بنقصانها إذا بطل منها ما كان، ولصح أن يرغب إليه إلى نحو الأرض وإلى خلفنا وإلى يميننا وشمالنا، وهذا قد أجمع المسلمون على خلافه وتخطئة قائله".
فذكر بعد ما ذكره من النصوص ثلاث حجج قياسية عقلية
[ ص: 73 ]