فذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد بعد تفسير المعية التي احتجوا بها من جهة السمع حجتين عقليتين، فذكر قول
الجهمية أنه في كل شيء غير مماس للأشياء ولا مباين لها. وهذا قول
الجهمية الذين ينفون مباينته، ثم يبقون مع ذلك مماسته، فيقولون: هو في كل مكان. والصنف الآخر كالمؤسس ينفون مباينته الحقيقة وإن قالوا إنهم يثبتون مباينته بالحقيقة والزمان؛ فإن أولئك أيضا وإن نفوا المباينة فإنهم يثبتونها بالحقيقة والزمان، فكلا الطائفتين يقولون إنهم يثبتون مباينته؛ لكن ينفون أن يكون خارج العالم. وكل من الصنفين خصم للآخر فيما يوافقه عليه الجماعة، فالأولون يقولون كما تقول الجماعة: إنه إذا لم يكن مباينا للعالم بغير الحقيقة والزمان كان محايثا له خلافا للطائفة الأخرى، ثم تقول بما تقول به الأخرى. و[ما] ليس بمباين للعالم بغير الحقيقة والزمان فيلزم أن يكون محايثا له. والآخرون يقولون: إذا كان محايثا للعالم كان مماسا له كما تقول الجماعة خلافا لتلك الطائفة، ثم يقولون مع الجماعة: و[ما] ليس بمماس
[ ص: 121 ] للعالم فيلزم أن لا يكون فيه و[ما] لا [يكون] مباينا له بغير الحقيقة والزمان فلا يكون خارجا عنه.
nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد رحمه الله ذكر ما يعلم بضرورة العقل من أنه إذا كان فيه وليس بمباين، فإنه لابد أن يكون مماسا له؛ فإنه لا يعقل كون الشيء في الشيء إلا مماسا له، لا مباينا له. فإنه لما كان خطابه مع
الجهمية الذين يقولون إنه في كل مكان ذكر أنه لابد من المماسة أو المباينة على هذا التقدير وهو تقدير المحايثة؛ فإن أولئك لم يكونوا ينكرون دخوله في العالم، وإنما ينكرون خروجه. وذكر دعوى
الجهمية بنفي هذين النقيضين. قال:
فقلنا إذا كان غير مباين أليس هو مماس؟ قال: لا. قال: فكيف يكون في كل شيء غير مماس؟! يقول nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد: إن هذا لا يعقل، فكيف يكون ذلك؟! وذكر أن الخصم لم يحسن الجواب عن ذلك؛ فإنه لا يمكنه أن يذكر ما يعقل كونه في كل شيء، وهو مع ذلك غير مماس. فلما كان هذا غير معقول لجأ الخصم إلى أن قال: بلا كيف. قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد رحمه الله: فخدع الجهال بهذه الكلمة، موه عليهم.
[ ص: 122 ] فبين
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد أن هذه الكلمة إنما يقبلها الجهال فينخدعون بها؛ لأنهم يعتقدون أن ما ذكره هذا ممكن، وإن لم نعلم نحن كيفيته؛ وإنما كانوا جهالا لأنهم خالفوا العقل والشرع، وقبلوا ما لا يقبله العقل، واعتقدوا هذا من جنس ما أخبر به الشارع من الصفات، التي لا نعلم نحن كيفيتها، والفرق بينهما من وجهين:
أحدهما:
أن الله ورسوله عالم صادق فيما أخبر به عن نفسه وهو أعلم من عباده، فإذا أخبرنا بأمر فقد علمنا صدقه في ذلك، وعلمنا مما أخبرنا به ما أفهمناه، وما لم نعلم كيفيته من ذلك لا يضرنا عدم علمنا به بعد أن نعلم صدق المخبر. وأما هؤلاء فإنما يدعون ما يقولونه بالعقل لا يثبتونه بالشرع، فإذا كان العقل الذي به يعتصمون لا يقبل ما يقولونه ولا يثبته؛ بل ينفيه، كان ما يقولون باطلا، ولم يكن لهم به علم، وكانوا أسوأ حالا ممن استشهد بشاهد فكذبه أو نزع بآية ليحتج بها وكانت حجة عليه؛ إذ كان مفزعهم العقل، والعقل عليهم لا لهم.
وهذا الذي ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد هو كما ذكرناه على كلام هذا المؤسس ونحوه من أنهم يدعون العقل ما لا يقبله العقل بل يرده، كدعواهم: وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه، كما قال إخوانهم بوجود موجود في العالم لا مباين العالم ولا مماس
[ ص: 123 ] له. / ثم إن صنف المؤسس وهذا الصنف الآخر كل منهما يقول بأن الإلهيات تثبت على خلاف ما يعلمه الناس، وتثبت بلا كيفية، ويدعون ذلك فيما يثبتونه بالعقل، والعقل نفسه لا يقبل ما يقولونه بل يرده بضرورته وفطرته، فضلا عن قياسه ونظره.
الوجه الثاني: أن الشارع لم يخبر بما يعلم بالعقل بطلانه، ولا بما يحيله العقل حتى يكون نظيرا لهذا، وهؤلاء ادعوا ما يرده العقل ويحيله؛ فلهذا كان ما أخبر به الشارع يقال له: والكيف مجهول. ويقال فيه: بلا كيف. لعدم امتناعه في العقل. وهؤلاء
الجهمية ادعوا محالا في العقل، فلم يقبل منهم بلا كيف؛ ولهذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد: "إنه خدع الجهال بهذه الكلمة، موه عليهم" حيث لم يثبتوا الفرق بين خبر الشارع وبين كلام هؤلاء الضلال، ولم يثبتوا الفرق بين ما يقبله العقل ويرده.
وهذا الذي ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد عنهم من قولهم: هو فيه غير مباين ولا مماس، وقول الآخرين الذين منهم المؤسس: لا داخله ولا خارجه. قد علم بالفطرة الضرورية أنه خروج عن النقيضين،
[ ص: 124 ] كما علم مثل ذلك في قول سائر
الجهمية من
الملاحدة والباطنية ونحوهم حيث قالوا: هو لا حي ولا ميت، ولا عاجز ولا قادر، ولا عالم ولا جاهل. وكلام هؤلاء كلهم من جنس واحد يتضمن الخروج عن النقيضين، ويتضمن تعطيل ما يستحقه الباري، وحقيقته تعطيل ذاته بالكلية، وتعطيل معرفته وذكره وعبادته. بحسب ما نعوه من ذلك.
فإن قيل: ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد وقدرتموه من امتناع كونه في العالم غير مباين ولا مماس معارض بما يذكره طوائف من أهل الإثبات من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد وغيرهم، القائلون بأنه فوق العرش؛ فإنهم يقولون: هو فوق العرش غير مباين ولا مماس. فما الفرق بين الموضعين؟ قيل: هؤلاء الذين يقولون هذا إنما يقولونه، لأنهم يقولون إنه فوق العرش، وليس بجسم، وهذا قول
الكلابية وأئمة
الأشعرية وطوائف ممن اتبعهم من أهل الفقه وغيرهم. وطوائف كثيرة من أهل الكلام والفقه يقولون: بل
[ ص: 125 ] هو مماس للعرش. ومنهم من يقول: هو مباين له.