ومن قال: هو في الأمكنة المخلوقة، فهو بمنزلة من قال ليس ذاته قبل الأزمنة، وذلك لا تنفصل ذاته عنها، ولا تكون ذاته فوقها فهو بمنزلة من قال: هو مع الأزمنة المخلوقة مقارن لها، لا تكون ذاته قبلها ولا يتقدم عليه. والأول جحود لكونه الظاهر فوقها، وهذا جحود لكونه الأول قبلها. [ ص: 186 ] ومن قال: ليس في الأمكنة ولا خارجا عنها فهو كمن قال: ليس مقارنا للأزمنة ولا متقدما عليها. وكل من هذين المقالين من مقالات
الجهمية؛ لكن الأولى أقرب إلى العقل وهي قولهم في الابتداء؛ يقولون: إنه في كل مكان فيجعلونه بمنزلة الحال فيها، المحتاج إليها، هو نظير قول من قال: مقارن للأزمنة المحدثة، فيكون هؤلاء قد جعلوه داخلا في المخلوقات والمحدثات؛ بل زادوا حتى جعله
الاتحادية منهم نفس وجود المخلوقات.
فهؤلاء أقروا به ثم جعلوه هو المخلوق أو بعض المخلوق، وإذا قال: هو في العالم لا مباين له ولا مماس له. كان كقولهم: هو مع العالم، لا متقدم عليه، ولا مقارن له.