فصل
وأما قول
الرازي في الجواب الثاني عن حجة الامتناع وهو أنه يمتنع أن يكون لا داخل العالم ولا خارجه، كما يمتنع أن يكون لا مع العالم ولا متقدما عليه لا قديما ولا محدثا، قال:
"وأيضا فالعقل يأبى إثبات موجود في جهة لا يمكن أن ينسب إلى موجود في جهة أخرى بأنه يساويه أو أنه أصغر منه أو أعظم منه، وأنتم تمنعون أن يقال الباري مساو للعرش أو أعظم منه، فإن التزموا ذلك لزمهم انقسام ذاته". فالكلام على هذا من وجوه:
أحدها: أن يقال له: هذا من الأجوبة القياسية الإلزامية، وأنت قد قررت في أول نهايتك أن مثل هذا الكلام باطل لا ينفع في النظر، ولا يقبل في المناظرة كما تقدم نظير ذلك غير مرة
[ ص: 294 ] إذ حاصله الاستدلال بخطأ المنازع في موضع على صواب المستدل في موضع آخر، فمضمونه بيان تناقض المنازع، فإنه يقول له كما قلت ذلك، فقل: هذا لازم له، فيقول المنازع: أنا اعتقدت عدم التلازم، فإن كان اعتقادي صحيحا لم يلزم، وإن لم يكن صحيحا فقد يكون خطئي في نفس اللازم لا في إثبات الملزوم الذي تنازعنا في ثبوته، وبيان ذلك هنا أن الذين قالوا هو فوق العرش وهو مع ذلك يمتنع أن يكون أكبر منه أو أصغر منه أو مساويا له، إما أن يكون العقل يأبى قولهم كما يأبى وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه، أو لا يأباه. فإن كان يأباه، فهذا العلم الضروري حجة في الموضعين عليهم وعلى غيرهم، ولا إجماع في ذلك، بل قد تقدم بعض ما في ذلك من النزاع، وإن لم يكن العقل يأبى ذلك لم يصلح معارضتهم بذلك، ولم يكن هذا الكلام لازما لهم /. فهذا في النظر، أما في المناظرة فإنهم يقولون: نحن فرقنا بين الموضعين لأنا نعتقد أن
[ ص: 295 ] الموجود الخارج عن العالم يمكن أن يكون لا أكبر ولا أصغر ولا مساويا، لأن هذه التقادير من عوارض التركيب والتقسيم وهو ليس بمركب ولا منقسم، وأما كونه موجودا ليس بخارج العالم ولا داخله، فهو معلوم الامتناع بالبديهة، فإما أن يكون هذا الفرق صحيحا أو باطلا، فإن كان صحيحا حصل الجواب، وإن كان باطلا فنحن نمنع الحكم في صورة الإلزام، ونقول إنه أكبر من العرش، وقوله: "يلزم انقسام ذاته" فقد تقدم جوابه.