الوجه الرابع:
أن قوله: "إذا كانت الجهات كلها فوق فلم قلتم: إنه يجب حصولها في بعضها لأنه أشرف مما عداه"؟ يقال له: كونها كلها فوق هو وصف لها في نفسها، وهي من ذلك الوجه جهة واحدة لا جهات، لا يتصور أن يكون في بعضها دون بعض بل يجب أن يكون في تلك الجهة، وهي الجهة العالية بالذات على العالم، وأما كونها جهات ستا فهو بالإضافة إلى الحيوان إذ يسمى ما يسامت رأسه فوق، وما يسامت رجليه تحت، وما يحاذي بيمينه يمينا، وما يحاذي شماله يسارا، وما يحاذي وجهه أماما وما يحاذي قفاه خلفا، لأنه يؤم هذا ويقصده ويخلف هذا، وهذه أمور إضافية فأمام هذا يكون خلفا لغيره، وخلفا له أيضا إذا استدار، وكذلك ما يكون يمينا له يكون يسارا لغيره، وله أيضا إذا انفتل، ومن المعلوم أن ما كان أعلى كان
[ ص: 321 ] أشرف مما كان أسفل، والحيوان حيث كان من الأرض، فالسماء فوق رأسه، والأرض تحت رجليه / فلا تكون قط السماء إلا من الجهة التي تحاذي رأسه وهي الجهة الشريفة، فإذا قيل إن الباري يختص بالجهة الشريفة بالنسبة إلينا فذاك تخصيص له بالجهة التي استحقها بنفسه، وهي الجهة العليا الخارجة عن العالم، فصار استحقاقه لها لوجهين:
أحدهما: لوجوب كونه مباينا للعالم خارجا عنه، ولا يكون كذلك إلا إذا كان فوق العالم، ولوجوب كونه العلي الأعلى على كل شيء، فيجب أن يكون فوق العالم، ولكونه من العالم بأشرف جهاتهم الإضافية، أشرف جهاتهم الإضافية ناحية العلو، وهي ناحية السماء منهم حيث كانوا.
فهذه ثلاثة أوجه متناسبة متوافقة ليست مختلفة كما زعمه المؤسس.