ثم
مع كل فريق من أهل الاتحاد المطلق والمعين فريقا ثانيا يقولون بالحلول ، أما الحلول المطلق -وهو قول من يقول : إن الحق حال في الأماكن كلها- فهذا كفر قديم في الأمة من كفر الجهمية الذين كان السلف ينكرون قولهم ، وهم الذين يقولون : إن الله بذاته في كل مكان ؛ فإن هؤلاء الحلولية إخوان هؤلاء الاتحادية . أولئك قالوا : هو في جميع المصنوعات ، وهؤلاء قالوا : هو نفس المصنوعات .
وهؤلاء الاتحادية المطلقة والحلولية المطلقة إنما أوقعهم في ذلك عدم إثباتهم لما جاءت به الرسل من رب العالمين ، الذي فوق الخلق ، الذي استوى على العرش ، فإنهم تجهموا في أنه ليس فوق العالم ولا داخله ولا خارجه ونحو ذلك من الصفات السلبية التي رأوها منطبقة على الوجود المطلق ، وهم عباد لا بد لقلوبهم من شيء تعبده ، فلم يجدوا ما يطابق هذه السلوب إلا وجود المخلوقات .
وأما المتكلمة
الجهمية فإنهم في العلم والكلام . . . . . . ، والعلم يتناول الموجود والمعدوم ، فإذا وصفوه بهذه السلوب وكانت إنما تطابق المعدوم لم يضرهم إذا كان الذي أثبتوه معدوما ، فإنهم لا يعبدون شيئا ، كما أخبر السلف بذلك عنهم . فمتكلمة
الجهمية لا يعبدون شيئا ،
[ ص: 137 ] ومتعبدتهم يعبدون كل شيء .
ولقد كان في مبدأ دولة التتار :
ابن الخطيب متكلم
المعطلة والجهمية والزنادقة ،
nindex.php?page=showalam&ids=12816وابن العربي متصوفهم وعارفهم ، فاتفقا على جحد رب العالمين الذي أنزل الكتاب وأرسل الرسل ، وإن كانوا قد أقروا بما ظنوا أنه هو ، وحاروا فيه ، فإن الحيرة ظاهرة عليهم ، لما هم فيه من التناقض . واختلفا بعد ذلك . فالأول أثبت العالم لكن بالكلام الباطل ، والثاني لم يثبت العالم لكن بالعقل الفاسد .
فتدبر هذا واجمعه مع ما قدمته من القواعد يتبين لك الأمر . والله أعلم .
وكذلك أهل الحلول الخاص إخوان أهل الاتحاد الخاص ، كما افترقت النصارى في المسيح ، فإن
النسطورية قالوا بحلول اللاهوت في الناسوت ،
واليعقوبية قالوا باتحاد اللاهوت والناسوت ،
والملكانية قالوا بالاتحاد من وجه دون وجه . الأولون شبهوه بالماء في الإناء ، والآخرون شبهوه بالماء واللبن ، والملكانية شبهوه بالنار في الحديد ، فقالوا : هما جوهر واحد وأقنومان .
ثم هؤلاء أهل الاتحاد المخصوص يحتاجون أن يقولوا : إن الرب والعبد اتحدا بعد أن كانا اثنين ، وأن اللاهوت اتحد أو امتزج أو اختلط أو اتصل بالناسوت بعد أن لم يكن كذلك .