وفي الاعتقاد :
«أن الدين والإيمان قول وعمل ، قول القلب واللسان ، وعمل القلب واللسان والجوارح » . فقال بعض الحاضرين : إذا ذكر أن هذا اعتقاد الفرقة الناجية كان فيه دلالة أن من لم يعتقد هذا يكون من الهالكين ، وكثير من العلماء يقول : إن الإيمان هو التصديق .
فقلت : مع أن هذا السؤال لا يرد ؛ لأني إنما قلت : إن الدين والإيمان
[ ص: 186 ] قول وعمل ، وهذا متفق عليه لا خلاف أن مجموع الدين والإيمان قول وعمل ، لكني قلت : أنا ذكرت اعتقاد السلف المنقول عن الصحابة والتابعين ، ومذهبهم الثابت عنهم أن الإيمان قول وعمل . وليس من خالف القول الصحيح الذي يعتقده أهل العلم باجتهاد أو تأويل يكون هالكا ، كسائر من يخالف بعض الأحاديث الصحيحة لاجتهاد سائغ ، فإن المجتهد المصيب له أجران ، والمجتهد المخطئ له أجر . وقد ذكرت في الاعتقاد أن
أهل السنة لا يكفرون أهل الذنوب الكبائر مع شمول نصوص الوعيد لهم ، لجواز أن يغفر الله لهم ويتوبوا ، أو يكون لهم حسنات ماحية ، أو لشفاعة فيهم ، أو رحمة الله لهم ، وإن كنا نطلق بأن أهل النجاة هم أهل طاعة الله .
وكان في الاعتقاد أن ما ذكر في القرآن من أنه استوى على عرشه ، وأنه مع عباده ، كلاهما حق على حقيقته لا يحتاج إلى تحريف ، ولكن يصان عن الظنون الكاذبة ، وأن ما ذكر في الكتاب والسنة وحكم من قربه ومعيته لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته ، فإنه سبحانه ليس كمثله شيء في جميع نعوته ، وهو علي في دنوه قريب في علوه .
فأنكر بعض الجماعة لفظ الحقيقة ، فقلت : قد حكى
nindex.php?page=showalam&ids=13332أبو عمر ابن عبد البر في «التمهيد » إجماع أهل السنة على أن هذه الآيات والأحاديث تجرى على الحقيقة لا على المجاز . وذكرت أيضا ما حكاه
[ ص: 187 ] nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي وأبو بكر الخطيب وغيرهما أن
مذهب السلف إجراء آيات الصفات وأحاديث الصفات على ظاهرها مع نفي الكيفية والتشبيه عنها . وذلك أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات ، يحتذى فيه حذوه ويتبع فيه مثاله ، فإذا كان معلوما أن إثبات الذات إثبات وجود لا إثبات كيفية ، فكذلك إثبات الصفات إثبات وجود لا إثبات كيفية . فلا نقول : إن معنى اليد القدرة ، ولا أن معنى السمع العلم ، ولا نشبهها بأيدي المخلوقين وأسماعهم ونجعلها جوارح وأدوات للفعل .
وفي الاعتقاد : أنه
«فوق سماواته على عرشه ، علي على خلقه » .
فسأل بعض الحاضرين عن لفظ الفوق ، فقلت : هذا اللفظ في كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكرت حديث
nindex.php?page=showalam&ids=18العباس بن عبد المطلب وهو في الاعتقاد ، وفيه : «والعرش فوق ذلك ، والله فوق عرشه ، وهو يعلم ما أنتم عليه » .
فقال بعضهم : نقول : «فوق العرش » ولا نقول : «فوق السماوات » . فقلت : المعنى واحد ، مع أن في الحديث أيضا «فوق السماوات » .
فانقضى المجلس على أن أكتب جواب هذه الأسولة ، ثم طلب تأخير ذلك إلى يوم الجمعة .
[ ص: 188 ]
قلت : كل من نقل مذهب السلف من أهل الحديث والمالكية والشافعية والحنبلية وغيرهم ، مثل
nindex.php?page=showalam&ids=14228أبي سليمان الخطابي وأبي بكر الخطيب nindex.php?page=showalam&ids=13779وأبي بكر الإسماعيلي وأبي عثمان الصابوني nindex.php?page=showalam&ids=14953والقاضي أبي يعلى nindex.php?page=showalam&ids=13332وأبي عمر ابن عبد البر وأبي محمد البغوي صاحب «شرح السنة »
وأبي القاسم التيمي صاحب «الترغيب والترهيب » وخلق كثير ، نقلوا نحو ذلك . فلفظ بعضهم : أن مذهب السلف إجراؤها على ظاهرها ، ولفظ بعضهم : حملها على ظاهرها ، ولفظ بعضهم : إمرارها على ظاهرها . وبعضهم يقول : حملها على الحقيقة دون المجاز . وبعضهم يصرح عنهم بإثبات ما دلت عليه من الصفات ، كما نقله
nindex.php?page=showalam&ids=13711الأشعري nindex.php?page=showalam&ids=13114وابن خزيمة nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي وسيف [ ص: 189 ] الدين الآمدي .