فإن قيل: فأنتم تقولون: الطلاق لغير حاجة محرم أو مكروه وإن كان سنيا.
قيل: هذا كلام مجمل، ولا بد من تفصيله. قيل: هذا السؤال يرد على الجمهور الذين قالوا بأن الثلاث يحرم جمعها، فإن هؤلاء قالوا: إن
الطلاق لغير حاجة محرم، والحاجة لا تدعو إلا إلى واحدة. ثم لما أورد عليهم هذا السؤال قالوا: العاقل لا يتكلف النكاح والتزام
[ ص: 346 ] المهر وحقوق النكاح ثم يقدم على الفراق إلا لحاجته إليه، إما لعدم إرادته للمرأة وعدم محبته لها; أو لعدم حصول مقصوده بنكاحه بها: لكونها ممتنعة منه، أو لكونها تكلفه ما يضره، أو لكون أهلها يكلفونه ذلك; أو لبغضه لها: إما بغضا لصورتها أو لخلقها أو لدينها أو لظلمها له; أو لغير ذلك. فأما مع كونه مريدا لها إرادة راجحة على كراهتها فلا يقصد إيقاع الطلاق أصلا.
ولهذا
لم يقع الطلاق إلا ممن له قصد صحيح يقصد به مصلحته، فلم يقع بالمجنون بالاتفاق، وإن كان يتكلم باختياره ويفعل باختياره، فإن البهائم تفعل باختيارها، فكيف المجنون، لكن لما تغير عقله الذي يوجب أن لا يميز بين قصد ما ينفعه وما يضره لم يقع به الطلاق باتفاق المسلمين. وكذلك
لا يقع بالنائم والمبرسم ولا بمن زال عقله بغير فعل محرم منه كالمغمى عليه، بالاتفاق.