وأما
المسلم إذا تاب ففي قضاء الصلاة والصيام نزاع ، ومما يقوي هذا أن هذا المال لا يتلف بلا نزاع ، بل إما أن يتصدق به ، وإما أن يدفع إلى الزاني والشارب الذي أخذ منه مع كونه مصرا ، وإما أن يجعل لهذا القابض التائب .
فإذا دفعه إلى الزاني والشارب فلا يقوله من يتصور ما يقول ، وإن
[ ص: 280 ] كان من الفقهاء من يقوله ، فإن في هذا فسادا مضاعفا ، فإن ذلك كان ممنوعا من الشرب والزنا ولو بذل العوض ، فإذا كان قد فعله بعوض وأعيد إليه العوض كان ذلك زيادة إعانة له وإغراء له بالسيئات .
وأما الصدقة فهي أوجه ، لكن يقال : هذا الباب أحق به من غيره ، ولا ريب إن كان صاحب هذا الباب فقيرا فهو أحق به من غيره من الفقراء ، وبهذا أفتيت غير مرة ، وإذا كان التائب فقيرا يأخذ منه حاجته ، فإنه أحق به من غيره ، وهو إعانة له على التوبة ، وإن كلف إخراجه تضرر غاية التضرر ولم يتب . وأيضا فلا مفسدة في أخذه ، فإن المال قد أخذه وخرج عن حكم صاحبه ، وعينه ليست محرمة ، وإنما حرم لكونه استعين به على محرم ، وهذا قد غفر بالتوبة فيحل له مع الفقر بلا ريب ، وأخذ ذلك له مع الغنى وجه ، وفيه تيسير التوبة على من كسب مثل هذه الأموال .
وأما الربا فإنه قبض برضا صاحبه ، والله سبحانه يقول :
فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف ، ولم يقل : فمن أسلم ، ولا من تبين له التحريم ، بل قال :
فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى ، والموعظة تكون لمن علم التحريم أعظم مما تكون لمن لم يعلمه ، قال الله تعالى :
يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين [النور :17] ، وقال :
أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا [النساء :63] .
[ ص: 281 ]
وأيضا فهذا وسط بين الغريمين ، فإن الغريم المدين ينهى أن يسقط عنه الزيادة ، وهذا عنده غاية السعادة ، وذلك لا ينهى أن يبقى له ما قبض ، وقد عفا الله عما مضى . وأما تكليف هذا إعادة القرض فذلك مثل مطالبة الغريم بما بقي ، وكلاهما فيه شطط وشدة عظيمة ، فهذا هذا . والله أعلم .