وأما الأصناف الأربعة فالناس محتاجون إلى القوت ، كالأصناف
[ ص: 288 ] الأربعة وكما يشابهها من المكيلات ، فمن تمام مصلحة الناس أن لا يتجر في بيع بعضها ببعض ؛ لأنه متى اتجر في ذلك خزنها الناس ، ومنعوا المحتاج منها ، فيفضي إلى أن يعز الطعام على الناس ، ويتضررون بتقليل الانتفاع به ، وهذا هو في بيع بعضها ببعض إلى أجل . فإنه متى بيعت الحنطة بالحنطة إلى أجل ، أو التمر بالتمر ، أو الشعير بالشعير أو نحوه ، سمحت الأنفس ببيعها حالة طمعا في الربح إذا بيعت إلى أجل ، وإذا لم تبع حالة تضرر الناس ، بل حينئذ لا تباع إلا بزيادة فيها ، فيضر الناس . بخلاف بيعها بالدراهم ، فإن من عنده صنف منها هو محتاج إلى الصنف الآخر ، فيحتاج أن يبيعه بالدراهم ليشتري به الصنف الآخر ، أو يبيعه بذلك الصنف بلا ربح . وعلى التقديرين يحتاج إلى بيعه حالا ، بخلاف ما لو أمكنه التأخر ، فإنه يمكنه أن يبيعه بفضل ويحتاج أن يشتري الصنف الآخر بفضل ؛ لأن صاحب ذلك الصنف يربي عليه كما أربى هو على غيره ، فيتضرر هذا ويتضرر هذا من تأخر هذا ومن تأخر هذا . فكان في التجارة فيها ضررا عاما ،
فنهي عن بيع بعضها ببعض نساء وهذا من ربا النسيئة ، وهو أصل الربا .
لكن هنا النسيئة في صنفين معللين ،
وهو كبيع الدراهم بالدنانير نساء ، وهذا من ربا النسيئة ، وهو ما ثبت تحريمه بالنص والإجماع . فربا النسيئة يكون في الصنف الواحد ، وفي الصنفين اللذين مقصودهما
[ ص: 289 ] واحد ، كالدراهم مع الدنانير ، وكالأصناف الأربعة التي هي قوت الناس .