والفرق بين الحيل وسد الذرائع أن الحيلة تكون مع قصد صاحبها ما هو محرم في الشرع ، فهذا يجب أن يمنع من قصده الفاسد . وأما سد الذرائع فيكون مع صحة القصد خوفا أن يفضي ذلك إلى الحيلة . والشارع قد سد الذرائع في مواضع ، كما بسطت ذلك في كتاب : «بيان الدليل على بطلان التحليل » ، ولكن يشترط أن لا تفوت مصلحة
[ ص: 320 ] راجحة ، فيكون النهي عما فيه مفسدة وليس فيه مصلحة راجحة ، فأما إذا كان فيه مصلحة راجحة كان ذلك مباحا ، فإن هذه المصلحة راجحة على ما قد يخاف من المفسدة . ولهذا يجوز
النظر إلى الأجنبية للخطبة لرجحان المصلحة ، وإن كان النظر لغير حاجة لم يجز .
وكذلك
سفر المرأة مع غير ذي محرم منهي عنه ، ويجوز لرجحان المصلحة ، كسفر
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة مع
صفوان بن المعطل لما كانت وحدها ، وكان سفرها معه خيرا من أن تبقى ضائعة .
وكذلك هجرتها بلا محرم ، كهجرة
nindex.php?page=showalam&ids=11720أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط بلا محرم ،
nindex.php?page=showalam&ids=437وزينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم أرسل لها رجالا جاءوا بها .
وقد تنازع الفقهاء في الحج ، والأقوى أنه
إذا تعذر حجها مع المحرم أن تحج إذا أمنت ، لأن حجها مع من تأمنه أرجح من تفويت الحج . وقوله : «حج مع امرأتك » دليل على أنه
إذا أمكن سفرها مع محرم لم تخرج وحدها جمعا بين المصلحتين ، وأما إذا دار الأمر بين تفويت الحج وبين سفرها بلا محرم سفرا آمنا كان حصول الحج أصلح لها ، فإن حصول الفساد في دينها إذا سافرت وحدها ، وهذا في طريق الحج نادر ، ومع من تأمنه معدوم ، بخلاف سفرها بلا محرم لتجارة
[ ص: 321 ] وزيارة ، فإن هذه مظنة فساد دينها ، كخلوة الأجنبي بها ، وخلوته بها لرجحان المصلحة جائز .
nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=15202المروذي قد
جوز السفر للكبيرة التي لا محرم لها وقد يئست من الزواج ، فإنها من القواعد .
وكذلك سفرها إلى المساجد الثلاثة هو طاعة وقربة تفوتها ، فإذا أمنت لم يبعد جوازه ، بخلاف السفر الذي ليس بواجب ولا مستحب ، فإن هذا ليس فيه مصلحة راجحة في دينها ، وفيه مفسدة في دينها ، فإن انفرادها عن الزوج والمحرم مظنة حصول الشر في دينها ، فإذا فوت السفر الذي هو في نفسه طاعة ، والسفر غير الطاعة ، واعتبر في سفر الطاعة أن تكون آمنة ، فهذا قول متوجه كما قال كثير من العلماء .
وهم متفقون على أن قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=691837«لا تسافر المرأة إلا مع زوج أو ذي محرم » ليس على عمومه ، فإنه يجوز لها سفر الضرورة ، كسفر الهجرة ، وكسفر زينب وأم كلثوم بلا زوج ولا ذي محرم .
والنظر إلى الأجنبية منع منه لأنه داعية للمحرم ، يجوز للخاطب بالنص والإجماع للحاجة ، وجوز للشاهد والعامل ، وجوزه أصحابنا وغيرهم بشرط عدم الشهوة ، وجوزه أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة مع الشهوة ، وإذا كان بلا شهوة يجوز عندهم مطلقا إلى الوجه واليدين ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد وأحد قولي
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
ومن ذلك :
الصلاة وقت الطلوع والغروب ، نهي عنه لسد الذريعة [ ص: 322 ] لئلا يشبه عباد الشمس ، فيجوز للمصلحة الراجحة ، مثل قضاء الفوائت وغيرها . والصحيح أنه يجوز في ذوات الأسباب مطلقا ، كقول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد في إحدى الروايتين .