والناس في الطلاق المحرم هل يقع أم لا؟ على قولين، وأقوال الصحابة رضي الله عنهم في جمع الطلقات الثلاث كثير مشهور، روي الوقوع فيها عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=40وعمران بن الحصين وغيرهم; وروي عدم الوقوع فيها عن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر وعن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر سنتين من خلافته وعن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس وعن
nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير بن العوام nindex.php?page=showalam&ids=38وعبد الرحمن بن عوف .
قال
أبو جعفر أحمد بن محمد بن مغيث في كتاب "الوثائق" له :
فطلاق البدعة أن يطلقها ثلاثا في كلمة واحدة، فإن فعل لزمه الطلاق.
ثم اختلف أهل العلم بعد إجماعهم على أنه مطلق كم يلزمه من الطلاق؟ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود: يلزمه طلقة واحدة، وقاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس.
وقال: وذلك لأن قوله "ثلاث" لا معنى له؛ لأنه لم يطلق ثلاث مرات، وإنما يجوز قوله "ثلاث" إذا كان مخبرا عما مضى، فيقول: طلقت ثلاث مرات، يخبر عن ثلاثة أفعال كانت منه في ثلاثة أوقات، كرجل يقول: قرأت سورة كذا ثلاث مرات، فذلك يصح، ولو قرأها مرة واحدة فقال: قرأتها ثلاث مرات كان كاذبا. وكذلك
لو حلف بالله ثلاثا يردد الحلف كانت ثلاثة أيمان، وأما لو حلف بالله فقال:
[ ص: 358 ]
أحلف بالله ثلاثا لم يكن حلفه إلا يمينا واحدة. والطلاق مثله.
قال: ومثل ذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير بن العوام nindex.php?page=showalam&ids=38وعبد الرحمن بن عوف، روينا ذلك كله عن
nindex.php?page=showalam&ids=13629ابن وضاح. يعني الإمام
محمد بن وضاح الذي يأخذ عن طبقة
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=17336ويحيى بن معين وسحنون بن سعيد وطبقتهم.
قال: وبه قال شيوخ
قرطبة: ابن زنباع شيخ هدى ،
nindex.php?page=showalam&ids=14222ومحمد بن عبد السلام الخشني فقيه عصره،
وابن بقي بن مخلد، وأصبغ بن الحباب، وجماعة سواهم من فقهاء قرطبة.
قلت: وقد ذكر
التلمساني هذا رواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك، وهو قول
محمد بن مقاتل الرازي من أئمة الحنفية، حكاه عنه
nindex.php?page=showalam&ids=15140المازري وغيره، ويفتي بذلك أحيانا الشيخ
أبو البركات ابن تيمية. وهو وغيره يحتجون بالحديث الذي رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في "صحيحه" وأبو داود وغيرهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاووس عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=659697كان الطلاق على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=showalam&ids=1وأبي بكر وسنتين من خلافة nindex.php?page=showalam&ids=2عمر طلاق الثلاث واحد، فقال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم. وفي رواية:
nindex.php?page=hadith&LINKID=659697إن أبا الصهباء قال nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس: هات من هناتك، ألم يكن الطلاق الثلاث على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=showalam&ids=1وأبي بكر واحدة؟ قال: قد كان ذلك، فلما كان في عهد nindex.php?page=showalam&ids=2عمر تتابع الناس في الطلاق، فأمضاه عليهم.
والذين ردوا هذا الحديث تأولوه بتأويلات ضعيفة، وكل حديث
[ ص: 359 ] فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ألزم الثلاث بمن أوقعها جملة - مثل حديث روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي، وآخر عن
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة، وآخر عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر، وغير ذلك - فكلها أحاديث ضعيفة باتفاق أهل العلم بالحديث، بل موضوعة.
وأقوى ما ردوه به أنهم قالوا: ثبت من غير وجه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه أفتى بلزوم الثلاث .
وجواب المستدلين أن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس روي عنه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة أيضا أنه كان يجعلها واحدة، وثبت عن
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ما يوافق حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاووس مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وموقوفا على
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، ولم يثبت خلاف ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. فالمرفوع
nindex.php?page=hadith&LINKID=673809أن ركانة طلق امرأته ثلاثا ، فردها عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهذا المروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في حديث
ركانة من وجهين عن
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة، وهو أثبت من رواية
عبد الله بن علي بن زيد بن ركانة ونافع بن عجير أنه طلقها البتة، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - استحلفه ما أردت إلا واحدة. فإن هؤلاء مجاهيل الصفات، لا تعرف أحوالهم ليوافقها، وقد ضعف
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل رضي الله عنه
وأبو عبيد nindex.php?page=showalam&ids=13064وابن حزم وغيرهم حديثهم.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل رضي الله عنه: حديث ركانة في البتة ليس بشيء.
وقال أيضا: حديث
ركانة لا يثبت أنه طلق امرأته البتة، لأن
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق يرويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=15855داود بن الحصين عن
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن
ركانة طلق امرأته ثلاثا.
[ ص: 360 ]
فقد استدل
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد على بطلان حديث البتة بهذا الحديث الذي فيه أنه طلقها ثلاثا، وقال: أهل
المدينة يسمون من طلق ثلاثا البتة، وهذا يدل على ثبوت الحديث عنده. وكذلك ثبته غيره من الحفاظ.
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود هذا الحديث في سننه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس من وجه آخر، كلاهما موافق لحديث
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاووس عنه.
nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد كان يعارض حديث طاووس بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=11129فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها ثلاثا ونحوه. وكان
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد يروي جمع الثلاث جائزا، ثم رجع عن ذلك، وقال: تدبرت القرآن فإذا كل طلاق فيه فهو رجعي. واستقر مذهبه على ذلك، وعليه جمهور أصحابه. وتبين أن حديث فاطمة إنما كانت ثلاثا متفرقات لا مجموعة. فإذا كان قد ثبت حديثان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من جمع ثلاثا لم يلزمه إلا واحدة، وليس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يخالف ذلك، بل القرآن يوافق ذلك، والنهي عنده يقتضي الفساد، فهذه النصوص والأصول الثابتة عنه تقتضي من مذهبه أنه لا يلزمه إلا واحدة، وعدوله عن القول بحديث ركانة وغيره كان أولى، لما تعارض ذلك عنده من جواز جمع الثلاث، وكان ذلك يدل على النسخ، ثم إنه رجع عن المعارضة، وتبين له فساد هذا المعارض وأن جمع الثلاث لا يجوز، فوجب على أصله العمل بالنصوص السالمة عن المعارض، ولكن علل حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاووس بفتيا
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس بخلافه، وهذه علة في إحدى الروايتين عنه.
وأما ظاهر مذهبه الذي عليه أصحابه فذلك لا يقدح في العمل بالحديث، لاسيما وقد بين
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عذر
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب في
[ ص: 361 ] الإلزام، وهو عذر
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أيضا، وهو أن الناس لما تتايعوا فيما حرم الله عليهم استحقوا العقوبة على ذلك، فعوقبوا بلزومه، بخلاف ما كانوا عليه قبل ذلك، فإنهم لم يكونوا مكثرين من فعل المحرم.
وهذا كما أنهم أكثروا شرب الخمر واستخفوا بحدها كان
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر يضرب الشارب ثمانين وينفي فيها ويحلق الرأس، ولم يكن ذلك على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -. وكما قاتل
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه بعض أهل القبلة، ولم يكن ذلك على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.