[ ص: 346 ] قال
الزمخشري :
«كل للإحاطة ، وأجمعون للاجتماع ، فأفادا معا أنهم سجدوا عن آخرهم ، وأنهم سجدوا جميعا في وقت واحد غير متفرقين في أوقات » .
وهذه فائدة زائدة حسنة ، إلا أنه يقال : لو أريد هذا المعنى لكان منصوبا على الحال ، وكان وجه الكلام أن يقال : مجتمعين أو أجمعين ، فلما رفعهم جعلهم إتباعا مجردا لكلهم يفيد فائدته ، ولهذا تقول : جاء القوم أجمعون ، وإن تفرقوا في مجيئهم بعد أن يجتمعوا ولا يتخلف منهم أحد ، قال تعالى :
فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون [الشعراء :94 - 95] ، أي اجتمعوا كلهم في النار ، ولا يدل ذلك على أنهم دخلوها وكبكبوا فيها مجتمعون في آن واحد .
وبالجملة فلفظ أجمعين وإعرابها يأبى هذا المعنى ، ولا شك أنه يصدق قولك : جاء القوم أجمعون ، وإن تفرقوا في المجيء ، كما تقول : قتل بنو فلان أو ماتوا كلهم [أجمعون] ، وإن تباينت أوقات قتلهم وموتهم ، وتأمل قوله تعالى :
فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون [الحجر :92 - 93] ، هل يدل على أنه سبحانه يسألهم كلهم في آن واحد مجتمعين ؟ أو يدل على أنه لا ينفك أحد عن السؤال وإن تعددت أوقات سؤالهم ؟
[ ص: 347 ] وقوله سبحانه وتعالى :
قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين [الأنعام :149] ، هل يدل على أنه كان يحصل لهم الهدى في آن واحد ؟ أو يجتمعون على الهدى وإن تعددت أوقات هدايتهم ؟
وقد يقال : أجمعون يستعمل في هذا وهذا بدليل قوله تعالى :
وأنجينا موسى ومن معه أجمعين [الشعراء :65] ، وقوله تعالى في أصحاب الصيحة :
أنا دمرناهم وقومهم أجمعين [النمل :51] ولا ريب أنهم اجتمعوا في الهلاك ، وأن قوم موسى اجتمعوا في النجاة .
ومنه قوله تعالى حكاية عن يوسف عليه [الصلاة و] السلام :
وأتوني بأهلكم أجمعين [يوسف :93] ، فلم يرد بهذا أن يجتمعوا عنده وإن جاءوا واحدا بعد واحد ، وإنما أراد اجتماعهم في المجيء إليه وأن لا يتخلف منهم أحد ، وهذا يعلم بالسياق والقرينة .
ومن القرينة الدالة على ذلك في قصة الملائكة لفظا ومعنى أن قوله تعالى :
كلهم ، يفيد الشمول والإحاطة ، فلا بد أن يفيد أجمعون قدرا زائدا على ذلك ، وهو اجتماعهم في السجود .
وأما المعنى ، فلأن الملائكة لا يتخلف أحد منهم عن امتثال الأمر ولا يتأخر عنه ، ولا سيما وقد وقت لهم بوقت وحد لهم بحد ، وهو التسوية ونفخ الروح ، فلما حصل ذلك سجدوا كلهم عن آخرهم في آن واحد ، ولم يتخلف منهم أحد ، بل أتوا بالسجود على الفور ، فلزم
[ ص: 348 ] اجتماعهم فيه ، فعلى هذا يخرج كلام هؤلاء الفضلاء ، والله أعلم .