[ ص: 181 ] فصل
في
الكلام على آيات من سورة الشورى [ ص: 182 ] فصل: قال شيخ الإسلام أبو العباس
أحمد بن تيمية الحراني أيضا رضي الله عنه:
قال الله تعالى:
فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور [الشورى: 36 – 43].
فإنه -سبحانه- جمع في هذه الآيات أصول الدين الجامع للأخلاق الإسلامية، فبدأ بذكر الإيمان، ثم بترك ما نهى عنه، ثم بفعل ما أمر به; فاجتمع فيه الإيمان والعمل الصالح.
فبدأ بذكر الإيمان وأن توكلهم على ربهم; لما قدمنا غير مرة من الجمع بين العبادة والاستعانة والتوكل والإنابة.
وهنا خص التوكل بالذكر لوجهين:
أحدهما: أنه السبب الموجب للإيمان وغيره من المطالب، كما قيل:
إياك نعبد وإياك نستعين [الفاتحة: 5].
[ ص: 184 ]
الثاني: أنه كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير: «التوكل جماع الإيمان»، كما قال تعالى في الأنفال:
إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون [الأنفال: 2]، فهذا مثل ذاك.
ثم قال تعالى:
يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون ، فإن السيئات لها سببان: إما الشهوة والحب والطمع، وإما النفرة والبغض، وذلك هوى النفس والغضب.
والشهوة الظاهرة شهوة البطن والفرج، كما
nindex.php?page=hadith&LINKID=680749سئل النبي صلى الله عليه وسلم: ما أكثر ما يدخل الناس النار؟ قال: «الأجوفان: الفم، والفرج»، nindex.php?page=hadith&LINKID=680749وسئل: ما أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال: «تقوى الله، وحسن الخلق» رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي وصححه.
وفي حديث... :
«من تكفل لي ما بين فقميه ورجليه تكفلت له بالجنة». [ ص: 185 ]
وفي رواية:
«قبقبه وذبذبه».
والفواحش ظاهرة في فواحش الفرج ومقدماتها من المباشرة والنظر، وكبائر الإثم ظاهرة في المطاعم الخبيثة، كما قال في الخمر والميسر:
فيهما إثم كبير ومنافع للناس [البقرة: 219].
وجمع هنا بين الإثم والفواحش كما جمع بينهما في النجم في قوله:
الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم [النجم: 32]، وفي قوله:
قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق [الأعراف: 33].
وأما النفرة والغضب، فقال:
وإذا ما غضبوا هم يغفرون ، وهنا كان
[ ص: 186 ] الكلام في سياق الحمد والثناء وأن الآخرة لهم.
وأما في سورة الأعراف فذكر أنه حرم البغي، ومبدأ البغي من البغض والنفرة والغضب; إذ الإنسان لا يبغي على من يحبه، وإنما يبغي على من يبغضه، ولهذا يقرن بالحسد كثيرا.
ثم ذكر فعل المأمور به، فقال:
استجابوا لربهم ، وهذا جامع لما أمر به، كما أن الإيمان جامع للحسنات كلها.
وأقاموا الصلاة ومما رزقناهم ينفقون هما قرينان في كتاب الله، ووسط ذلك بقوله:
وأمرهم شورى بينهم ; فإن ذلك يدفع طلب العلو في الأرض والفساد، ويوجب العدل والصلاح; لأن في ذلك اجتماع الاعتقادات والإرادات، وفي تركه اختلاف العقائد والإرادات.
* * *