وكذلك
إذا كانت العلتان مجتمعتين في المحل.
فالأول كما لو وصى الميت لوارثه، فإنه يقال: لو لم يوص له لملكه بالإرث. وكما لو ألقى رجلا من شاهق في بحر، فتلقاه آخر بسيف فقده، فإنه يقال: لو لم يقده لمات. فيضاف الموت إلى عدم القد، لا مستلزما للغرق.
ومثل الثاني: إذا سئلت عن لحم خنزير ميت، فتقول: لو لم يكن خنزيرا لحرم. فتجعل عدم كونه خنزيرا مستلزما للتحريم، لأنه ميت.
فهذا الكلام في دلالة ثبوت العلة وانتفائها.
وأما دلالة المعلول، فإن عدم المعلول مستلزم لعدم العلة التامة قطعا، ويدل على عدم العلة المقتضية إذا علم أن الانتفاء لم يكن لوجود مانع ولا
[ ص: 450 ] لفوات شرط.
فيعلم حينئذ أن الانتفاء إنما هو لانتفائها، وإلا فلو كانت موجودة، والموانع زائلة، والشروط حاصلة، لوجب وجود المعلول. فانتفاء اللازم دليل على انتفاء الملزوم، ووجود المعلول يدل على وجود العلة التامة، فتدخل فيه الشروط وضد الموانع.
لكن إذا لم يكن للحكم إلا علة واحدة علم وجودها بعينها، وإن كان له علتان فصاعدا دل على وجود إحداهن أو جميعهن.
وإن علم أن له علة، وجاز أن يكون له علة أخرى، لم نقطع بوجود تلك العلة المعدومة، لكن هل يحكم بوجودها ظاهرا؟
وكذلك لو علم وجود العلة الواحدة، ووجد الحكم، وجاز أن يكون قد وجد بغيرها، فهل يضيفه إلى ما علم وجوده أو يتوقف فيه؟ قولان للفقهاء، وأصحهما أنا نضيفه إلى تلك العلة. ويستدل بوجود المعلول على وجودها؛ عملا بالأصل الباقي الذي لم يعارضه ما يضعفه.
وعلى هذا ينبني: لو
جرح صيدا غاب عنه ثم وجده ميتا، فهل يحال موته على جرحه، فيباح إن كان حلالا ويجب الضمان إن كان محرما، أو يتوقف فيه؟ على خلاف مشهور بين الفقهاء، وهي مسألة الإصماء والإنماء.
[ ص: 451 ]
فهذه بحوث عقلية معنوية نافعة.