وقوم من
نفاة القياس نفوا القياس الجلي الظاهر، حتى فرقوا بين المتماثلين، وزعموا أن الشارع لم يشرع شيئا لحكمة أصلا، ونفوا تعليل خلقه وأمره، فقالوا: إنه لا يخلق ولا يأمر لحكمة ولا لنفع عباده.
وهذا الأصل وإن كان قد قاله طائفة من أهل الكلام المنتسبين إلى السنة في
إثبات القدر، وخالفوا
القدرية في إثبات القدر، فهم وإن أصابوا في إثبات القدر، وبينوا تناقض
المعتزلة النفاة للقدر، فقد ردوا أيضا من الحق المعلوم بالشرع والعقل ما صاروا به
[ ص: 277 ] ممن رد بدعة ببدعة، وقابلوا الفاسد بالفاسد، فإنهم أنكروا حكمة الله تعالى في خلقه وأمره، وأنكروا رحمته في خلقه وأمره.
وأصل قولهم هو قول
nindex.php?page=showalam&ids=15658جهم بن صفوان ومن وافقه على قوله في القدر، كما قد بسط الكلام عليهم في غير هذا الموضع، فإن القدرية من
المعتزلة ونحوهم
والجهمية الجبرية تناقضوا في هذا الباب تناقضا بينا، والسنة وسط، ليست مع هؤلاء ولا مع هؤلاء.
وهؤلاء صاروا في القياس نوعين:
قوم أقروا به، كالأشعري وأتباعه ومن وافقهم من الفقهاء، وقالوا: إن علل الشرع إنما هي مجرد أمارات محضة وعلامات، كما قالوا ذلك في سائر الأسباب، فقالوا: إن الدعاء إنما هو علامة محضة، والأعمال الصالحة إنما هي علامات، وكذلك سائر ما وجدوه من الخلق والأمر مقترنا بعضه ببعض، قالوا: أحدهما دليل على الآخر لمجرد الاقتران والعادة الموجودة في خلقه وأمره، لا لأن أحدهما سبب للآخر، ولا علة له ولا حكمة، ولا له فيه تأثير بوجه من الوجوه .