وأما زيارة قبور المؤمنين فجائزة بل مستحبة، كما سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن الزيارة نوعان: شرعية وبدعية، والشرعية السلام على الميت والدعاء له، بمثل أن يقال : "السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العفو والعافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم". فالزيارة المشروعة من جنس الصلاة على الجنازة، وكلاهما المقصود به الدعاء للميت، والله تعالى يرحم الميت بدعاء المسلمين، ويرحم الداعين له أيضا، فيثيب هذا وهذا كما يثيب المصلين على الجنازة، فمن صلى على جنازة إيمانا واحتسابا كان له قيراط من الأجر، ومن شيعها حتى تدفن [ ص: 126 ] كان له قيراطان .
وقد ذكر غير واحد من السلف أن أصل عبادة الأصنام كان ذلك، فقالوا في قوله: وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا : إن هذه أسماء قوم كانوا قوما صالحين في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم، وهذه الأصنام صارت إلى العرب، حتى بعث الله رسوله بأن يعبد الله وحده لا شريك له، ونهاهم عن الشرك من عبادة الأوثان وغير ذلك، وبين أن أصل الدين أن يعبد الله لا يشرك به شيئا.