[ ص: 245 ] مسألة فيمن قال:
إن
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا أشجع من
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر [ ص: 246 ] [ ص: 247 ] مسألة
في رجلين تكلما فقال أحدهما:
إن nindex.php?page=showalam&ids=8عليا أشجع من nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر، وقال آخر: [إن]
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر أشجع الصحابة.
الجواب
الحمد لله. الذي عليه سلف الأمة وأئمتها
أن nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر الصديق أعلم الصحابة وأدين الصحابة وأشجع الصحابة وأكرم الصحابة، وقد بسط هذا في الكتب الكبار وبين ذلك بالدلائل الواضحة. وذلك أن الشجاعة ليست [عند] أهل العلم بها كثرة القتل باليد ولا قوة البدن، فإن نبينا - صلى الله عليه وسلم - أشجع الخلق، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب :
nindex.php?page=hadith&LINKID=682121كنا إذا احمر البأس ولقي القوم القوم كنا نتقي برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان يكون أقرب إلى القوم منا. وقد انهزم أصحابه يوم
حنين وهو على بغله يسوقها نحو العدو، ويتسمى بحيث لا يخفي نفسه، ويقول:
أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
ومع هذا فلم يقتل بيده إلا واحدا، وهو
أبي بن خلف، قتله يوم
أحد.
وكان في الصحابة من هو أكثر قتلا من
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي، وإن كان لا يفضل عليهم في الشجاعة، مثل
nindex.php?page=showalam&ids=70البراء بن مالك أخي nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك، فإنه قتل مئة رجل مبارزة غير من شرك في دمه. [ ص: 248 ]
ولم يقتل أحد من الخلفاء على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا العدد، بل ولا
nindex.php?page=showalam&ids=135حمزة سيد الشهداء -الذي يقال: إنه أسد الله ورسوله- لم يقتل هذا العدد، وهو في الشجاعة إلى الغاية. وكذلك
nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير بن العوام هو في الشجاعة إلى الغاية، حتى قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح:
nindex.php?page=hadith&LINKID=942360 "إن لكل نبي حواريا، وحواريي الزبير" ، ولم يقتل في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا العدد.
وغزوات النبي - صلى الله عليه وسلم - وسراياه مضبوطة عند أهل العلم بالسيرة والحديث، والله تعالى كان يبارك لنبيه وأصحابه في مغازيهم، فمع العمل القليل يظهر الإسلام وتفشو الدعوة ويدخلون في دين الله أفواجا. ومجموع من قتل الصحابة كلهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يبلغون ألف نفس، بل أقل من ذلك، ومع هذا ببركة الإيمان فتحت أرض العرب كلها في حياته.
وكان القتل يوم
بدر، وهي أول مغازي القتال، وأسروا منها سبعين أو نحوها. وأما يوم
أحد فقتل الكفار قليلا جدا، وكذلك يوم
الخندق ويوم فتح
مكة، والقتلى في
خيبر وحنين ليسوا بالكثير. وأعظم عددا قتلوا جميعا قتلى
قريظة، فإنهم بلغوا ثلاث مئة أو أربع مئة قتلهم جميعا.
وجملة مغازي النبي - صلى الله عليه وسلم - بضع وعشرون غزاة، وكان القتال فيها في تسع: مغازي
بدر وأحد والخندق وبني المصطلق وقريظة وخيبر والفتح
وحنين والطائف، وأعظم ما كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم
تبوك بلغوا عشرات ألوف، ولكن لم يكن في
تبوك قتال، بل أقام النبي - صلى الله عليه وسلم -
بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة، وكان قد جاء لقتال النصارى من
الروم والعرب وغيرهم، فلم يقدموا على قتاله.
[ ص: 249 ]
وأما هذه المحاربات التي يذكرها الكذابون، وكثرة القتلى التي يذكرها أهل الفرية، فكذبها معروف عند كل عالم. وإذا كان القتلى نحوا ممن ذكروا [و] المقاتلة في الصحابة كثيرون من المهاجرين والأنصار، مثل
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي nindex.php?page=showalam&ids=135وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15والزبير والمقداد وأمثالهم، ومثل
أبي أيوب وأبي طلحة وأبي قتادة nindex.php?page=showalam&ids=262وأبي دجانة، ثم مثل
nindex.php?page=showalam&ids=22خالد بن الوليد وأمثاله، وقتل الواحد من هؤلاء يقارب قتل
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي وغيرهما، ينقص عنه أو يزيد عنه، ولهذا
لما جاء nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه أخذ بسيفه إلى nindex.php?page=showalam&ids=129فاطمة وقال: اغسليه عن دمهم، قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن تكن أحسنت فقد أحسن فلان وفلان" وسمى طائفة من المسلمين-: علم أنه لم يمتنع أن يكون أحد من الخلفاء قتل مئة من الكفار مع النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وأما
nindex.php?page=showalam&ids=22خالد بن الوليد nindex.php?page=showalam&ids=70والبراء بن مالك وأمثالهما فهؤلاء قتل الواحد منهم مئة وأكثر، لمغازيهم بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنهم لما غزوا أهل الردة
وفارس والروم كان القتلى من الكفار كثيرا جدا لكثرة الجموع. والخلفاء الراشدون لم يغز أحد منهم بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا باشر بنفسه قتال الكفار بعده، وإنما كانوا هم أولي الأمر، فكان
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر يشاور
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان nindex.php?page=showalam&ids=8وعليا وغيرهم، وكذلك
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر كان يشاور هؤلاء وغيرهم، وهم عنده. ولكن
nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير بن العوام شهد فتح
مصر، nindex.php?page=showalam&ids=37وسعد ابن أبي وقاص فتح
العراق، nindex.php?page=showalam&ids=5وأبو عبيدة بن الجراح فتح
الشام.
وإذا تبين هذا
فالشجاعة هي ثبات القلب وقوته، وقوة الإقدام [ ص: 250 ] على العدو، والبعد عن الجزع والخوف، فهي صفة تتعلق بالقلب، وإلا فالرجل قد يكون بدنه أقوى الأبدان، وهو من أقدر الناس على الضرب والطعن والرمي، وهو ضعيف القلب جبان، وهذا عاجز. وقد يكون الرجل يقتل بيده خلقا كثيرا، وإذا دهمته الأمور الكبار مالت عليه الأعداء، فيضعف عنهم أو يخاف.
nindex.php?page=showalam&ids=1وأبو بكر الصديق كان أقوى الصحابة قلبا وأربطهم جأشا وأعظمهم ثباتا وأشدهم إقداما وأبعدهم عن الجزع والضعف والجبن، ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصحبه وحده في المواضع التي يكون أخوف ما يكون فيها، كما صحبه في الهجرة، وكان معه في الغار، والأعداء يطلبهما ويبذل ديتهما لمن يأتي بهما، وكان معه في العريش يوم بدر وحده والكفار قاصدون الرسول خصوصا. ولهذا لما مات النبي - صلى الله عليه وسلم - ظهر من شجاعته وبسالته وصبره وثباته وسياسته وتدبيره وإمامته للدين وقمعه للمرتدين ومعونته للمؤمنين وسد ظهورهم ما لا تتسع هذه الورقة. وكل من له بالشجاعة أدنى خبرة يعلم أنه لم يكن منهم من يقاربه في الشجاعة فضلا أن يشاريه. وكذلك كان
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر، كان أشجعهم بعده، كما أن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر كان أعلمهم، كما ذكر الإمام
منصور بن عبد الجبار السمعاني إجماع العلماء على أن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر أعلم الأمة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو مبسوط في غير هذا الموضع . والله أعلم.