ومنشأ الإشكال أخذ كلام بعض النحاة مسلما أن
المنفي بعد "لو" مثبت، والمثبت بعدها منفي، أو أن جواب "لو" منتف أبدا، وجواب "لولا" ثابت أبدا، وأن "لو" حرف يمتنع به الشيء لامتناع غيره، و"لولا" حرف يدل على امتناع الشيء لوجود غيره مطلقا. فإن هذه العبارات إذا قرن بها "غالبا" كان الأمر قريبا، وأما أن يدعى أن هذا مقتضى الحرف دائما فليس كذلك، بل الأمر كما ذكرناه من أن "لو" حرف شرط تدل على انتفاء الشرط، فإن كان الشرط ثبوتيا فهي "لو" محضة، وإن كان الشرط عدميا مثل "لولا" و"لو لم" دلت على انتفاء هذا العدم بثبوت نقيضه، فيقتضي أن هذا الشرط العدمي مستلزم لجزائه، إن وجودا وإن عدما، وأن العدم منتف. وإذا كان عدم شيء سببا في أمر فقد يكون وجوده سببا في عدمه، وقد يكون وجوده أيضا سببا في وجوده، بأن يكون الشيء لازما لوجود الملزوم ولعدمه، والحكم ثابت مع العلة المعينة، ومع انتفائها لوجود علة أخرى.
وإذا عرفت أن مفهومها اللازم لها إنما هو انتفاء الشرط، وأن
[ ص: 320 ] فهم نفي الجزاء منها ليس أمرا لازما، وإنما يفهم باللزوم العقلي أو العادة الغالبة، وعطفت على ما ذكرته من المقدمات زال الإشكال بالكلية.
وكان يمكننا أن نقول: إن حرف "لو" دالة على انتفاء الجزاء، وقد تدل أحيانا على ثبوته: إما بالمجاز المقرون بقرينة أو بالاشتراك، لكن جعل اللفظ حقيقة في القدر المشترك أقرب إلى القياس. مع أن هذا إن قاله قائل كان سائغا في الجملة، فإن الناس ما زالوا يختلفون في كثير من معاني الحروف: هل هي مقولة بالاشتراك أو بالتواطؤ أو بالحقيقة والمجاز، وإنما الذي يجب أن نعتقد بطلانه ظن ظان ظن أن لا معنى لـ "لو" إلا عدم الجزاء والشرط، فإن هذا ليس بمستقيم البتة. والله سبحانه أعلم.