مسألة
فيمن استدل بتحويل النبي صلى الله عليه وسلم رداءه في الاستسقاء، وجعل أعلاه أسفله، ورفع ظاهر كفيه إلى السماء، وجعل باطنها إلى الأرض - على أن الله ليس فوق السماوات على العرش بائن من الخلق، وأنه بذاته لا يختص بجهة العلو، هل هو مصيب في ذلك الاستدلال أم لا؟ وما معنى الحديث؟ وهل لقول طائفة من الفقهاء إنه يستحب
لمن هو في شدة أن يرفع ظاهر كفيه إلى السماء دون باطنها وجه؟ ولو فرض أن الحديث يدل على ذلك ولو على بعد، فهل مثل ذلك -مع ما يزعمونه أدلة عقلية دلت على استحالة ذلك- يعارض ما ثبت بالكتاب والسنة من أن الله تعالى مستو على عرشه بائن من خلقه فوق كل شيء وعال على كل شيء أم لا؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين. استدلال المستدل بهذا وإن سبقه إلى نحو منه من المتجهمة المنتسبة إلى الحديث، فإنه يدل على غاية الجهل بما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء، وغاية الجهل في الاستدلال بذلك على نفي
علو الله، إذ ما فعله يدل على نقيض مطلوب هذا المستدل الجاهل. ونحن نبين ذلك بالكلام على ما
[ ص: 80 ] فعله من تحويل الرداء، ومن رفع يديه في الاستسقاء.
أما الفصل الأول - وهو تحويل الرداء - فما علمت أحدا يستدل به على نفي العلو، ولا فيه شبهة تقتضي ذلك، وإنما المعروف عن بعضهم أنه يستدل برفع اليدين، فهذا هو الذي يعترض به بعض الناس، فأما الرداء فلا، ولكن نتكلم على الفصلين.
أما الأول فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل أعلاه أسفله كما قاله هذا المستدل، وإنما جعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن، وقلبه فجعل باطنه ظاهرا وظاهره باطنا، كما جاء مفسرا في الأحاديث المعروفة في الباب، فإن في الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=113عبد الله بن زيد قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=650956خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى، فاستسقى، واستقبل القبلة، وقلب رداءه، وصلى ركعتين. وفي لفظ: استقبل القبلة، وحول رداءه. فلفظ الحديث جاء بلفظ القلب وبلفظ التحويل، ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من وجوه بلفظ التحويل، وذكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=16397أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=64798جعل اليمين على الشمال.
ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=113عبد الله بن زيد أيضا، قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=856975خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يستسقي، قال: فحول رداءه، وجعل عطافه الأيمن [ ص: 81 ] على عاتقه الأيسر، وجعل عطافه الأيسر على عاتقه الأيمن، ثم دعا الله عز وجل.
ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد أيضا - واللفظ له - من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=113عبد الله بن زيد قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=696715رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استسقى لنا أطال الدعاء وأكثر المسألة، قال: ثم تحول إلى القبلة وحول رداءه فقلبه ظهرا لبطن.
ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني أيضا من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=113عبد الله بن زيد قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=650956خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى يستسقي، فاستقبل القبلة، فقلب رداءه وصلى ركعتين. قال
سفيان: جعل اليمين على الشمال والشمال على اليمين.
ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود أيضا عنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=667751استسقى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه خميصة سوداء، فأراد أن يأخذ أسفلها فيجعله أعلاها، فثقلت عليه، فقلبها الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن. فهذا فيه أيضا ما في سائر الأحاديث، أنه قلب الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن، لكن فيه ذكر الراوي أنه هم بجعل أسفلها أعلاها، فهذا ليس فيه أنه فعل ذلك، وإنما فيه أن الراوي ظن أنه أراد فعله، والظن قد يصيب وقد يخطئ.
[ ص: 82 ]
فهذه أحاديث
nindex.php?page=showalam&ids=113عبد الله بن زيد، وحديثه أشهر حديث في تحويل الرداء وفي صلاة الاستسقاء، وأصح الأحاديث في ذلك، فيها تارة متصلا بالحديث وتارة من تفسير الرواة أنه جعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن، وفيها تصريح بأنه لم يفعل الأعلى أسفل ولا الأسفل أعلى. وكذلك غيره من الحديث مثل حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة الذي رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه، قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=677771خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما يستسقي، فصلى بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة، ثم خطبنا ودعا الله عز وجل، وحول وجهه نحو القبلة رافعا يديه، ثم قلب رداءه، فجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن.
وكذلك رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=64787سنة الاستسقاء سنة الصلاة في العيدين، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلب رداءه، فجعل يمينه على يساره ويساره على يمينه، وذكر تمامه. وفي إسناده مقال يصلح للاعتضاد والاستشهاد.
وتحويل الرداء في دعاء الاستسقاء سنة عند فقهاء الحجاز وفقهاء الحديث
nindex.php?page=showalam&ids=16867كمالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وإسحاق، وهو قول صاحبي
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة [ ص: 83 ] nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف ومحمد، كما أن
الصلاة في الاستسقاء سنة عند هؤلاء،
nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة لم يبلغه لا الصلاة في الاستسقاء ولا تحويل الرداء في دعائه.