والمقصود هنا كان الكلام في أن
الله يطعم القلوب ويسقيها، وقد قال الله تعالى في حق عباد العجل:
وأشربوا في قلوبهم العجل ، أي أشربوا حبه. فإذا كان المخلوق الذي لا تجوز به محبته قد يحبه
[ ص: 133 ] القلب حبا يجعل ذلك شرابا للقلب، فحب الرب تعالى أن يكون شرابا يشربه قلوب المؤمنين أولى وأحرى.
قال تعالى:
ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله . ووصف الشعراء وغيرهم أن القلوب تشرب المحبة، وضربهم المثل في ذلك بالشراب الطاهر، وأن شرب المحبة أعلى الشرابين كثير جدا. وهو سبحانه الذي يطعم عباده المؤمنين، ويسقيهم شراب معرفته ومحبته والإيمان به،
وهو غني عن جميع خلقه في معرفته ومحبته وإيمانه - إذ كان من أسمائه "المؤمن" -، وفي توحيده وشهادته وسائر شئونه، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
وأهل الشرك الذين يعبدون غير الله ومن ضاهاهم من أهل البدع، الذين اتخذوا من دون الله أوثانا يحبونهم كحب الله، لهم شراب من محبتهم وذوق ووجد، لكن ذلك من عبادة الشيطان لا من عبادة الرحمن، فلهذا وقعت باطلا. فإن البدن كما يتغذى بالطيب والخبيث، كذلك القلوب تتغذى بالكلم الطيب والعمل الصالح، وتتغذى بالكلم الخبيث والعمل الفاسد، ولها صحة ومرض، وإذا مرضت اشتهت ما يضرها وكرهت ما ينفعها.