وأهل الضلال يذكرون المحبة وشراب الحب ونحو ذلك، وكثيرا ما يمثلون ذلك بشراب الخمر دون غيرها من الأشربة، ويذكرون أوعية الخمر كالدن والكأس ونحو ذلك، ومواضعها كالحان أو دير الرهبان. والخمر توجب الغي، ولما
nindex.php?page=hadith&LINKID=650336عرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة المعراج اللبن والخمر أخذ اللبن، فقيل له: "أصبت الفطرة، لو أخذت الخمر لغوت أمتك" .
وكلما كان القوم أعظم عنتا وضلالا مثلوا بما هو أقبح من شرب الخمر، فإن شربها وإن كان قبيحا فهو في الحانات مواضع الفحش أقبح، وفي مواضع الكفر كديور الرهبان أقبح وأقبح. ويذكرون السكر من شراب المحبة، كالسكر الذي يعتري من شرب الخمر، كقول بعضهم :
شربنا على ذكر الحبيب مدامة سكرنا بها من قبل أن يخلق الكرم
وهذا الحب والشرب من عبادة الشيطان، لا من عبادة الرحمن.
والتشبيه بالخمر يبين أن ذلك من عبادة الشيطان الذي قال الله فيه:
إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون [ ص: 136 ] .
وذلك من وجهين: أحدهما: أن شرب الخمر محرم، فحب الله ورسوله وشرب القلوب لهذا الحب لا يكون كشرب الخمر، وإنما يكون كشرب الخمر شرب الحب الذي لا يحبه الله ورسوله، كحب المشركين اتخذوا من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله.
الثاني: أن شرب الخمر يوجب السكر وزوال العقل، فهو والسكر بالحب واتباع الأهواء حال الكفر، كقوم لوط الذين قال الله فيهم:
لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون . وقد قيل : سكران سكر هوى وسكر مدامة ومتى إفاقة من به سكران ومحبة المؤمنين لله ورسوله لا تستلزم زوال العقل، بل هم أكمل الناس عقلا، وإنما يوجب متابعة الرسول، كما قال:
قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله . فالمحبون لله إذا اتبعوا الرسول أحبهم الله. واتباع الرسول فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، وهو لم يأمر بما يزيل العقل قط، لا باطنا ولا ظاهرا، فلم يأمر بأكل شيء مما يغير العقل سواء كان معه سكر كالخمر، أو لم يكن كالبنج، بل نهى عن ذلك. وكذلك ما في القلوب من حب الله ورسوله وحقائق الإيمان التي يحبها الله ورسوله، ليس فيما أمر الله به ورسوله منها ما يوجب زوال العقل ولا الموت ولا الغشي والصعق. ولهذا لم يكن الصحابة
[ ص: 137 ] أفضل القرون يعتريهم شيء من هذا، ولكن بعض من بعدهم ضعفت قلوبهم عن بعض ما يرد عليها من خوف أو غيره. فصار فيهم من يموت إذا سمع الآية، وفيهم من يغشى عليه. وهؤلاء معذورون مع الصدق والاجتهاد في اتباع الرسول، ويشكر الله لهم ما معهم من الإيمان والخوف الذي..... ، وهو ما يحض على فعل الواجب وترك المحرم، وأما الزيادة التي أوجب لهم الموت فحسبهم أن يكونوا فيها معذورين لا مأجورين، كالحاكم إذا اجتهد فأصاب فله أجران، فإذا اجتهد فأخطأ فله أجر.
ومن ظن أن الميت من هؤلاء بسماع آية أفضل من شهداء بدر وأحد ونحوهما، وجعل هؤلاء قتلى القرآن وشهداء الرحمن، وأولئك ماتوا بسيوف الكفار، فقد غلط غلطا عظيما، فإن أولئك فعلوا ما أمروا به وقتلوا شهداء، فهم من أفضل ما خلق الله، وهؤلاء فعلوا ما لم يؤمروا به، إما تعديا للحد، وإما تفريطا في الحق، فماتوا بهذا السبب موتا ليس في سبيل الله ولا جهاد أعدائه، ولكن لضعف قلوبهم عما ورد عليها.
والله تعالى ما أنزل القرآن ليقتل به أولياءه، ولا ليشقيهم به، بل ليهديهم وليشفيهم وينورهم، فهؤلاء ضلوا الطريق، ولهذا أنكر حالهم من أدركهم من الصحابة، مثل ابن عمر وابن الزبير وأسماء بنت أبي بكر وغيرهم، كما هو مبسوط في موضع آخر.
إذ المقصود هنا أن
الرب تعالى هو الذي يقيت عباده، ويغذيهم لأرواحهم وأجسادهم، وهو مستغن عن عباده من كل وجه، فهو
[ ص: 138 ] بنفسه عالم قادر، وكل ما يعلمه العباد فهو من تعليمه وهدايته، وما يقدرون عليه فهو من إقداره. وهو سبحانه وتعالى كما قال:
ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ، وهو الذي خلق فسوى، وقدر فهدى. وإذا كان ما للعباد من علم وقدرة فمنه امتنع أن يحصل له منهم علم أو قدرة، فإن ذلك يستلزم الدور القبلي، إذا كان المعلم المقدر لغيره يمتنع أن يكون علمه وقدرته منه.