مسألة
في
الخلائق إذا حشروا يوم القيامة هل يحشرون جميعهم عرايا، أو بعضهم عراة وبعضهم بأكفانهم؟ وقول
أبي سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=855810 "بالغوا في أكفان موتاكم، فإن أمتي تحشر بأكفانها، وسائر الأمم عراة" كما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي. وهل يموت
إدريس من الصعقة؟
الجواب
الذي في الحديث عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=73703قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الميت يبعث في ثيابه التي قبض فيها". أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13053أبو حاتم ابن حبان في صحيحه وغيره. وقد روي
nindex.php?page=hadith&LINKID=855708أن nindex.php?page=showalam&ids=44أبا سعيد لما حضرته الوفاة دعا بثياب جدد، فلبسها ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها ". nindex.php?page=showalam&ids=44فأبو سعيد على هذا حمل الحديث على أن الثياب التي يموت
[ ص: 225 ] فيها العبد يبعث فيها، ولم يقل: إنه يبعث في أكفانه، فإن الكفن غير الثياب التي يموت فيها، فإن عامة الموتى لا يكفنون في ثيابهم التي يقبضون فيها، لا سيما والكفن الذي كفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيه مما يمسى فيه، فإنها لم يكن فيها قميص ولا عمامة، فإنه إذا عرف أن الحديث المأثور إنما هو أنه يبعث في ثيابه التي قبض فيها، فقيل: يبعث في نفس الثوب الطاهر.
وقال طوائف من أهل العلم -
nindex.php?page=showalam&ids=11970كأبي حاتم وغيره-: إن المراد بذلك أنه يبعث على ما مات عليه من العمل، سواء كان صالحا أو سيئا، كما قال أكثر المفسرين في قوله تعالى:
وثيابك فطهر أن المراد به إصلاح العمل وتطهير النفس من الرذائل . ومثل هذا كثير في كلامهم، كما قيل:
ثياب بني عوف طهارى نقية
ويقال: "فلان طاهر الثياب". يؤيد هذا شيئان:
أحدهما: أن الذي جاء في الحديث أنه يبعث على ما مات عليه من خير وشر، كما جاء، فما ختم له به يبعث عليه، كما في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر nindex.php?page=hadith&LINKID=662134أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يبعث كل عبد على ما مات عليه". [ ص: 226 ]
رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13053أبو حاتم في صحيحه.
الثاني: أن الأحاديث الصحيحة تبين أنهم يحشرون عراة، كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=653191 "يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا"، ثم قرأ: كما بدأنا أول خلق نعيده . وفي لفظ في الصحيح:
nindex.php?page=hadith&LINKID=653191 "أول من يكسى إبراهيم الخليل ". وفي الصحيح أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة nindex.php?page=hadith&LINKID=662110أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا"، قالت: يا رسول الله! الرجال والنساء جميعا ينظر بعضهم إلى بعض! قال: "يا nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة! الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض". فهذا وأمثاله أحاديث صحيحة لا يجوز أن تعارض بمثل ذلك اللفظ المجمل.
وأيضا فإن بعثه على ما مات عليه من خير وشر ظاهر، فإن الأعمال بالخواتيم، وقد ثبت في الصحيح
nindex.php?page=hadith&LINKID=664433 "أن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار، وإن العبد ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، [ ص: 227 ] فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة". فهذا وأمثاله تبين أنه في الآخرة يحشر على ما مات عليه.
وأما ثوبه الذي كان عليه وقت الموت فلا مناسبة في بعثه فيه، فقد تموت الأنبياء والصالحون في الثياب الرثة، وقد يموت الكفار والمنافقون في ثياب حسنة، فهل يكون قيام الكفار والمنافقين من قبورهم أجمل وأبهى من قيام الأنبياء والمؤمنين؟ ولو كان صحيحا لكان تكفينه في ثيابه التي مات فيها ويبعث فيها أولى من تكفينه في غيرها، وليس الأمر كذلك، بل قد يختلف الحكم في ذلك.
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=10523 "إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه". وقد روي
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بشد الفخذ في بعض الجنائز، وقال: "إن هذا لا يغني شيئا، وإنما تطيب نفس الحي" ، ولو كان الميت يبعث في ثياب موته لوردت السنة بتجميلها. وأما الأكفان فلا أصل لكونه يبعث فيها بحال.
وأما إدريس فقد روي أنه مات في السماء، فلا يحتاج إلى موت ثان، والله سبحانه قد أخبر بصعق من في السماوات ومن في
[ ص: 228 ] الأرض إلا من شاء الله، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر
nindex.php?page=hadith&LINKID=103659 "أن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من أفيق، فأجد موسى باطش بساق العرش، لا أدري هل أفاق قبلي أم كان مما استثنى الله".
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد توقف في مثل هذا، فكيف يجزم أحدنا بما لا علم له به؟ والله أعلم.
[ ص: 229 ]