مسألة
فيمن قال: إن إبليس أودع ولده لآدم عليه السلام، وأن آدم طرده مرتين، وبعد الثالثة ذبحه وسلقه، وأكله، فلهذا يجري الشيطان في ابن
آدم مجرى الدم. وهل عرض على إبليس أن يسجد عند قبر
آدم أو يعرض عليه في القيامة؟ وفي قوله تعالى
يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا هل هذا القول عن الكافر خاصة -وهو إبليس- أو عن الكفار؟
الجواب
أما الحديث المذكور عن
آدم عليه السلام فمن أقبح الكذب والبهتان، لا يقوله أحد من العقلاء فضلا عن أهل العلم والإيمان.
ولم يذكر هذا أحد من أهل العلم والدين، وإنما يروي هذا أو يصدقه أجهل العالمين.
وأكل الشيطان إذا كان من الممكنات هو من أعظم المحرمات، فإن الله تعالى قد حرم الخبائث من الحيوان -كالخنزير وغيره- على
آدم وذريته، كما حرم علينا مع ذلك كل ذي ناب من السباع، لأن
[ ص: 301 ] هذه البهائم فيها البغي والعدوان الذي هو وصف الشيطان، فنهى الله تعالى عن أكلها لئلا يصير في أخلاق المسلمين البغي والعدوان الذي هو بعض أوصاف الشيطان. فكيف يأكل الشيطان الذي هو جامع لكل خبيث؟ ولو كان الشيطان مما يؤكل فهل في كل الشيطان إلا شيطان؟ وبالجملة فمثل هذا الكلام يستحق من يقوله أو من يصدقه العقوبة البليغة التي تردعه وأمثاله.
وأما
عرض السجود لقبر آدم عليه السلام على إبليس فهذا قد ذكره بعض الناس، لكن ليس له إسناد يعتمد عليه. وأما عرض السجود له على إبليس في الآخرة فلم يذكره أحد مما علمته.
وكلاهما باطل وإن قاله من قاله; فإن الله تعالى قد أخبر عن إبليس بما أخبر به من إنظاره وإغوائه الذرية، وقوله:
لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ، وأخبر أنه عدو لهم بقوله:
أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو ،
ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم . وأخبر بما يكون من الشيطان يوم القيامة حيث قال:
وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم .
[ ص: 302 ] وهذا وأمثاله مما يبين أن الشيطان حقت عليه كلمة العذاب، وقد ظهر ذلك للخلق، ولا يحتاج إلى إعادة ذلك الأمر كما لا يحتاج إعادة الأمر.
وأما قوله:
ويوم يعض الظالم على يديه ،
ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا ، فالكافر اسم جنس، ليس كافرا بعينه، بل قد جاء في الحديث: "
إن البهائم يقتص بعضها من بعض، ثم يقال لها: كوني ترابا"، فأعيدت البهائم إلى أصلها. وأما إبليس فهو مخلوق من مارج من نار، وذلك لا يناسب عوده إلى التراب.
[ ص: 303 ]