قوله: "يحققوا أن الحق كان ولم يكن معه شيء، هو في كان كأنه يتجلى لنفسه بوحدته الذاتية عالما بنفسه وبما يصدر منه، وأن المعلومات بأسرها كانت منكشفة في حقيقة العلم شاهدا لها".
هذا الكلام مضمونه أن الله كان عالما بالأشياء قبل كونها، وهذا صحيح، لكن العبارة فيها طول، وفيها ألفاظ موهمة، مثل قوله: "بما يصدر منه"، فإن هذا يوهم مذهب
الدهرية الذين يقولون: إن العالم صدر منه وفاض عنه. فلو قيل: "عالم بنفسه وبما يخلقه وبما يريد أن يخلقه" كان ذلك من عبارات المسلمين التي جاء بها الكتاب والسنة. وكذلك لو قيل: "كان رائيا لنفسه" كان ذلك مطابقا لما جاء به الكتاب والسنة من وصفه بالرؤية، وكذلك يقول العلماء.
وأما لفظ التجلي فإنه لا يكاد يستعمل إلا في ظهور الشيء بعد خفائه، كما قال:
والنهار إذا جلاها ، وكما قال:
فلما تجلى ربه للجبل ونحو ذلك. فيشعر ذلك أنه رأى نفسه بعد أن لم
[ ص: 402 ] يكن رآها، وهذا باطل. والمتكلم لم يقصد ذلك، ولكن بتعمقه في العبارات وخروجه عن ألفاظ القرآن والسنة يقع في هذه المزالق.