وانتدب للرد على صنوف الكفار والمبتدعة طوائف من المتكلمين بحجج بعضها صحيح قوي وبعضها مهين ، لصعوبة الزام علما وقصدا ، وعسر الاستبداد في هذا الباب بدرك اليقين ، والهوس بفرح ما يقوم لها من الحجة على المنازع قبل تعقب ما يلزم الحجة في سائر المواضع . وهذا من أعظم الآفة على الناظرين والمناظرين ، فيحتاج أن تطرد تلك الدلالة ، ويلتزم من اللوازم ما لا يظن أن فيه إحالة ، وإن كان مخالفا لنص مبين .
وهذا هو السبب كثيرا أو غالبا في البدع المخالفة للنصوص أو الدافعة لما عليه كل ذي عقل رصين ، حتى صار من نصر السنة في غالب الأمر يعد من متكلميها ، وإن اضطره تحقق حده وطرد دليله أحيانا إلى ما ينافيها ، إذ ذلك غامض إلا على الأقلين . وخرج كثير ممن ينصر السنة بالآثار إلى الاحتجاج بما لا يسوغ لأولي الأبصار ، إما لضعف الإسناد ، وإما لعدم المتن المتين ، وكثر في العلماء المحسنين في أكثر قولهم من المتأخرين من يقع في كلامه من المخالفة للسنة ما يروج عليه وعلى كثير من الناظرين ، فيرد هذا عليه سائر حقه لأجل باطله ، ويلحقه بالمعطلين ، ويقبل هذا جميع كلامه لاعتقاده فيه أنه كالسلف الماضين ، ثم إذا صارت الشبهات أهواء أخرجت من النفوس الداء الدفين .
[ ص: 43 ]
وصار كثير من طلبة العلم وأذكياء المباحثين يقفون على أقسام محصورة وأمثال مسبورة في كلام كثير من الآخرين ، فتوجب حسن الظن بعقول تدرك تلك المطالب ، وافتقار رجال ذهبوا تلك المذاهب ، وإن كانوا للسلف مخالفين ، إذ ليس عندهم من السلف إلا أسماء مستطيرة وكلمات ليست بالكثيرة المعتبرة . ولولا أبهة الإسلام في قلوبهم لعدوهم من العمين ، وإن كان في الناس من يعتقد هذا أو يتوقف فيه ، وإنما سببه ضعف آثار المرسلين .