فالحمد لله على ما بين وأمر ، وعلى ما قضى وقدر من هذه الأقانين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك [له] ، شهادة تحصن قائلها من النار وتوجب له نور المتقين ، وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله ، أرسله بأفضل كتاب وأقوم دين ، وأيده بأكمل الآيات وأشرف البراهين ، وبعثه في خير أمة وأتم مكان وحين ، وبين به الحق بأفصح لغة وأبلغ تبيين ، وأخرج به الخلق من الظلمات إلى النور المستبين ، وجعله سراجا منيرا ، كما جعل الروح الذي أوحاه إليه نورا يهدي به المهتدين ، وعصمه من مخالفة سره لعلانيته لا سيما في إيمائه وخطابه المستمعين ، إذ
لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين ، ولا يومض إيماضا يخفى على الحاضرين ، كل ذلك تحقيقا لكمال البلاغ وتنزها عن ظنون الملحدين ، صلى الله عليه وعلى آله كما صلى على
إبراهيم إمام المسلمين ، وبارك عليه وعلى آله كما بارك على آل
إبراهيم في العالمين ، إنه سبحانه حميد مجيب سميع لدعاء الطالبين ، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته وعلينا وعلى عباد الله الصالحين .
أما بعد ، فقد كان جرى بيني وبين بعض الناس من نحو عشر
[ ص: 45 ] سنين أو قريب منها أو أكثر منها
مناظرة في الصفات والكلام على مذهب أهل التأويل فيها ، التمس مني بعد ذلك بعض الأصحاب حكايتها ، فكتبتها إليه ، مع أن الكتابة لا بد فيها من نوع زيادة غير متعمدة ونقصان ، لكن المنقوص كثير ، إذ الخطاب يحتمل من البسط ما لا يحتمله الكتاب ، ومن الورع أن تنقص من الحكاية ولا تزيد فيها .
وتلك المناظرة -مع ما اشتملت عليه من القواعد المقررة والأصول المحررة- لم تخرج مخرج تصنيف ، وإن كان لا غرو في جعلها تصنيفا .
وصورة ما كاتبت به الطالب : فإن
الله سبحانه وتعالى خلق عباده على الفطرة ، وكمل فطرتهم بالنبوة ، واصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس ، ليعلموا الأمم ما لم يكونوا يعلمونه ، كما قال سبحانه وتعالى :
كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون .