ونفاة الصفات يتأولون
أنزله بعلمه و
ذو القوة والسمع والبصر ونحو ذلك ، ومثبتو الصفات من أهل الحديث والكلام ينكرون هذه التأويلات . بل
الأشعرية المتمسكون بالقول الثاني
nindex.php?page=showalam&ids=13711 -كالأشعري في "الإبانة" ،
nindex.php?page=showalam&ids=12604والقاضي أبي بكر ابن الباقلاني ،
وابن شاذان ،
وابن فورك وغيرهم- ينكرون على من يتأول صفة اليد والوجه وغير ذلك ، كما صرحوا به في كتبهم .
والمسلمون جميعا ينكرون على متكلمي
الفلاسفة الذين يتأولون ما ورد في صفة الملائكة والجن والجنة والنار والقيامة وحشر الأجساد .
وأهل الإثبات جميعا -أهل الحديث وأهل الكلام- ينكرون
[ ص: 74 ] على
القدرية الذين يتأولون آيات الإضلال والختم والطبع والإغواء ونحو ذلك من نصوص القدر .
وأهل الحديث قاطبة مع من وافقهم من أهل الكلام ينكرون على من يتأول النصوص المدخلة للأعمال في الإيمان .
وجميع أهل القبلة إلا
الوعيدية ينكرون على
الخوارج والمعتزلة تأويلهم نصوص الشفاعة .
والمسلمون جميعا ينكرون على
القرامطة والباطنية والإسماعيلية وزنادقة
الفلاسفة وغلاة
الصوفية تأويل نصوص الأحكام الشرعية في العبادات والمعاملات والجنايات ونحو ذلك .
وأهل الحديث قاطبة والفقهاء
والصوفية مع من اتبعهم من المتكلمين
وجماهير أهل القبلة ينكرون على المتكلمين والمتفلسفة الذين يتأولون نصوص الفوقية والعلو . وكذلك ينكرون على الذين يتأولون نصوص الصفات بما سنذكره إن شاء الله .
وأهل القبلة جميعا محدثوهم وفقهاؤهم ومتكلموهم إلا
الخوارج والمعتزلة ينكرون تأويل هاتين الفرقتين النصوص المدخلة للعصاة في اسم الإيمان في الجملة .
دع التأويلات المتعلقة بأصول الدين ، هؤلاء الفقهاء لا يزال بعضهم يرد تأويلات بعض ويبين فسادها قديما وحديثا ، ويوافقهم على ذلك الرد أهل الحديث ، مع أن الفقهاء معتبرون ، فكيف يقال : لا نسلم أن معتبرا رد تأويل معتبر ، بل مفسرو القرآن وشراح الحديث
[ ص: 75 ] لا يزال أهل الحديث وغيرهم يردون بعض تلك التفسيرات والتأويلات وينكرون ، وذلك أشهر وأكثر من أن يسطر .
ثم كل من هؤلاء الممنوع من ذلك التأويل المردود تأويله معتبر ، بمعنى أنه ذو ذهن ذكي وعلم واسع وفضيلة جيدة ، بل كثير من هؤلاء المردود عليهم يعتقد أتباعه فيه أنه أفضل من كثير من المعظمين عند غيره ، فإن فسرت "المعتبر" بأنه المهتدي أو الذي أجمع المسلمون على أمانته ، فالجواب من وجوه :
أحدها : أنا لا نسلم أن تأويل مثل هذا لا يرد ، بل تأويله الباطل يرد ، كما ترد فتواه الضعيفة وحديثه الذي غلط فيه .
الثاني : أن مثل هذا لا يدخل في مطلق اسم المتكلمين عندنا ، كما يشهد به استعمال لفظ المتكلمين .
الثالث : أن هذا منع لغير ما ذكر ، فإنا قلنا : تأويل المتكلمين المخالف لتأويل المحدثين باطل ، فقيل : لا نسلم أن تأويل من [علم] هداه أو من استفاض عند الأمة هداه باطل ، ونحن ما ادعينا هذا قط ، وما ذكرناه من هذا الكلام إنما هو نزول مع المخاطب ، فإنه فهم من قولنا "أهل الحديث" المحدثين الذين يروون الحديث أو يحفظونه ، وهذا لا يدل عليه لفظنا ولم نعنه ، فإن أهل الحديث هم المنتسبون إليه اعتقادا وفقها وعملا ، كما أن أهل القرآن كذلك ، سواء رووا الحديث أو لم يرووه ، بحيث يدخل في مثل هذه العبارة اسم التابعين وتابعيهم ، كالفقهاء السبعة :
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب وذويه ،
وعلقمة والأسود وطبقتهما ،
وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاووس nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي [ ص: 76 ] nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري nindex.php?page=showalam&ids=17134ومكحول ويحيى بن سعيد nindex.php?page=showalam&ids=12341وأيوب السختياني وابن عون nindex.php?page=showalam&ids=17419ويونس بن عبيد nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك والحمادين والسفيانين nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=14919والفضيل بن عياض nindex.php?page=showalam&ids=15531وبشر بن الحارث .
فإن قلتم : مرادنا لا نسلم أن المعتبرين من المحدثين حرموا على المتكلم المعتبر أن يتأول ، بمعنى أنهم لم يمنعوه من جنس التأويل ، لا أنهم لم يمنعوه من التأويل المعين ، لكن سوغوا له أن يتأول ، كما يسوغ للمفتي أن يفتي وللقاضي أن يقضي ، وإن كان يخالف في بعض أقضيته وفتاويه ، كذلك المتأول قد يخالف في بعض تأويلاته ، وإن لم يكن ممنوعا من جنسها .
قلنا أولا : كلامكم يخالف هذا ، لأنكم قلتم : إن نقل ما ظاهره المنع من التأويل حملناه على التأويل بغير دليل أو على غير القواعد الكلية ، ومعلوم أن كل من تأول تأويلا من المشاهير وقد رده عليه غيره فإنما تأوله بدليل من عنده ، وعلى القواعد العلمية عنده ، بل يقيم الأدلة التي يزعم أنها قاطعة في وجوب ذلك التأويل وامتناع الإقرار على الظاهر ، مع مخالفة جماهير علماء القبلة وقطعهم بأنه ضال أو مخطئ في تأويله ، ولعل كثيرا منهم أو أكثرهم أو كلهم قد يكفرونه بذلك التأويل ، كما يكفرون نفاة حشر الأجساد ، وإن تأولوا ما جاءت به الرسل لأدلة ادعوها وعلى قواعد وضعوها .
وأعجب من هذا -ولا عجب- قولكم : "توفيقا بين العلماء وصيانة لهم من تخطئة بعضهم" ، فهل إلى هذا من سبيل؟ وقد علم بالاضطرار
اختلاف أهل القبلة في كثير من تأويل الآيات والأحاديث : هل تصرف عن ظاهرها أم تقر على ظاهرها؟ وإذا صرفت فهل تصرف
[ ص: 77 ] إلى كذا أم إلى كذا؟ بل الكتب والنقول مشحونة بتكفير بعض المتأولين فضلا عن تخطئته . وأما تخطئة بعض المتأولين فهذا أمر معلوم بالاضطرار في الأصول والفروع والتفسير والحديث والشعر واللغة وغير ذلك ، بل عامة الاختلاف بين أهل القبلة إنما هو من تخطئة بعضهم في فهمه للكتاب والسنة وتأويلهما على وجه يخالفه فيه الباقون .