فإن قلتم : كل من تأول بدليل على القواعد سوغناه له ، وإن كان قد يخطئ .
قلنا : فيكون تأويل
الجهمية والقدرية والخوارج والروافض والوعيدية والباطنية والفلاسفة كلها سائغة وإن كانت خطأ ، وهذا مما علم بالإجماع القديم بل بالاضطرار من دين الإسلام أن جميع هذه التأويلات ليست سائغة ، بل تسويغ جميع هذه التأويلات على خلاف إجماع هذه الفرق كلها ، فإن جميع فرق الأمة لا يسوغ جميع التأويلات .
وقلنا ثانيا : فنحن إنما قلنا : "تأويل المتكلمين الذي يخالفون به أهل الحديث باطل" ، وهذا تأويل موصوف ، ولا يلزم من بطلان النوع المقيد بطلان الجنس المطلق ، فإذا أبطلنا التأويل المخالف لأهل الحديث [لا] يلزمنا أن نمنع كل تأويل في الدنيا ، وأن نحرم على كل معتبر أن يتأول تأويلا لا يخالف أهل الحديث ........
[ ص: 78 ]
وقلنا ثالثا : نحن قلنا : "هذه التأويلات باطلة" ، أما كونها سائغة أو محرمة فهذا لم نتعرض له في هذا الكلام ، فقولكم "إن المعتبرين لم يمنعوا المعتبرين أن يتأولوا ، وإن معتبرا لم يحرم التأويل الموصوف" كلام لا يمس كلامنا ولا يقابله ، بل هو أجنبي عنه غير متوجه ، فلا يستوجب الجواب . نعم ، إن ادعيتم أن كل تأويل المتكلمين أو بعضه حق أو صواب فهذا نقيض قولنا ،
ففرق بين صحة التأويل وفساده وبين حرمته وحليته ، ألا ترى أن الفقهاء في تأويلهم نصوص الأحكام يجوز لهم التأويل في الجملة ، وإن كان كثير من تأويل بعضهم قد يظهر أنه خطأ ، كما يجوز للفقيه الاجتهاد في الفتيا والقضاء ، وإن كان قد يحكم ببطلان بعض الفتاوى والأقضية .
على أن من قال : كل مجتهد مصيب ، لا يمكنه أن يقول : كل متأول مصيب ، فإن المتأول يقول : الله أراد بهذه الآية كذا ، والآخر يقول : لم يرد هذا ، والنفي والإثبات لا يجتمعان ، اللهم إلا أن يقول قائل : إن الله أراد من زيد أن يفهم هذا ، وأراد من عمرو أن يفهم هذا ، وهذا في الأمور الاعتقادية ما يكاد يقوله إلا من يخالفه جمهور الناس ، وإن كان قد قاله في العمليات طائفة من المتكلمين .