والناس وإن كانوا قد تكلموا في
الغناء ، هل هو حرام أو مكروه أو مباح؟ فما قال أحد من المهتدين : إنه قربة أو طاعة ، ومن قال ذلك فقد اتبع غير سبيل المؤمنين ، ودخل في مشابهة النصارى
والصابئين ، ولهذا ذكر العلماء أنه من إحداث الزنادقة .
وكيف يتصور أن يكون قربة ، وقد مضت القرون الثلاثة : قرن الصحابة والتابعين وتابعيهم ، وذلك لا يفعل في شيء من أمصار المسلمين ، لا في
الحجاز ولا في
اليمن ولا في
الشام ولا في
العراق ولا في
مصر ولا في
خراسان ولا في
المغرب .
فالواجب على أهل الإسلام التعاون على البر والتقوى ، والتواصي
[ ص: 237 ] بالحق ، والتواصي بالصبر والبر ، واتباع شرائع الإسلام ، وكبت هذه الطرق الجاهلية والضلالات الخارجية ، ورد ما تنازع الناس فيه إلى كتاب الله تعالى و [سنة] رسوله ، وهو الطريق المستقيم ، صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وتجنب طريق المغضوب عليهم اليهود ومن شابههم في بعض أمورهم من غواة المنتسبين إلى الفقه والحكمة ، ومن طريق الغالين المنتسبين إلى التعبد والتصوف والفقر .
وعلى أهل الإسلام أن ينصح بعضهم لبعض كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=657090 "الدين النصيحة ، الدين النصيحة ، الدين النصيحة" ، قالوا : [لمن؟ ، قال :] "لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" .
وقد قال تعالى :
ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ، وقال تعالى :
والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .
فهؤلاء الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر أطباء الأديان ، الذين تشفى بهم القلوب المريضة ، وتهتدي بهم القلوب الضالة ، وترشد بهم القلوب الغاوية ، وتستقيم بهم القلوب الزائغة ، وهم أعلام الهدى ومصابيح الدجى .
[ ص: 238 ]
والهدى
والمعروف اسم لكل ما أمر به من الإيمان ودعائمه وشعبه ، كالتوبة والصبر والشكر والرجاء والخوف والمحبة والإخلاص والرضا والإنابة وذكر الله تعالى ودعائه والصدق والوفاء وصلة الأرحام وحسن الجوار وأداء الأمانة والعدل والإحسان والشجاعة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وغير ذلك .
والمنكر اسم لكل ما نهى الله عنه من الكفر والكذب والخيانة والفواحش والظلم والجور والبخل والجبن والكبر والرياء والقطيعة وسوء المسألة واتباع الهوى وغير ذلك .
فإن كان الشيخ المتبوع آمرا بالمعروف ، ناهيا عن المنكر ، داعيا إلى الخير ، مصلحا لفساد القلوب ، شافيا لمرضاها ، كان من دعاة الخير وقادة الهدى وخيار هذه الأمة .
نسأل الله أن يكثر من هؤلاء ويقويهم ، ويدمغ بالحق الباطل ، ويصلح هذه الأمة . والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على
محمد وآله وصحبه وسلم تسليما .
(تمت الرسالة بعون الله ومنه من كلام
شيخ الإسلام تقي الدين أبي العباس أحمد بن تيمية ، قدس الله روحه وسقى ضريحه) .