ودلت نصوص الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة أن ولي الأمر -إمام الصلاة ، والحاكم ، وأمير الحرب والفيء ، وعامل الصدقة- يطاع في مواضع الاجتهاد ، وليس عليه أن يطيع أتباعه في موارد الاجتهاد ، بل عليهم طاعته في ذلك وترك رأيهم لرأيه ، فإن
مصلحة [ ص: 274 ] الجماعة والائتلاف ومفسدة الفرقة والاختلاف أعظم من أمر المسائل الجزئية . ولهذا لم يجز للحكام أن ينقض بعضهم حكم بعض .
وشبهة هذا المتفقه وأمثاله ، ممن قد سمع بعض غلطات بعض الفقهاء ، فيما إذا ترك الإمام ما يعتقد المأموم وجوبه ، أو فعل ما يعتقد المأموم فسادها به ، فإن من الناس من قد يطلق القول ببطلان صلاة المأموم مطلقا ، ومنهم من لا يصحح الصلاة خلف من لا يأتي بالواجبات حتى يعتقد وجوبها .
وهذه الاطلاقات خطأ مخالف للإجماع القديم ، ولنصوص الأئمة المتبوعين . مثال ذلك : أن يصلي المأموم خلف من ترك الوضوء من خروج النجاسات من غير السبيلين كالدم ، أو خلف من ترك الوضوء من مس الذكر ، أو ترك الوضوء من القهقهة ، ويكون المأموم يرى وجوب الوضوء من ذلك ، أو يكون الإمام قد ترك قراءة البسملة ، أو ترك الاستعاذة ، أو ترك الاستفتاح ، أو ترك تكبيرات الانتقال ، أو تسبيحات الركوع والسجود ، ويكون المأموم يرى وجوب ذلك .
فالصواب المقطوع به صحة صلاة بعض هؤلاء خلف بعض ، وهذا مذهب الأئمة ، وإن كان قد يحكى عن بعضهم خلاف في بعض ذلك .
فهذا
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي -رضي الله عنه- كان دائما يصلي خلف أئمة
المدينة وأئمة
مصر ، وكانوا إذ ذاك
مالكية لا يقرأون البسملة سرا ولا جهرا ، ولو سمع
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي من يطعن في صلاته خلف مشايخه
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وأقرانه ، وهو دائما يفعل ذلك; لحكم عليه بالضلال ، وعده هو وسائر الأمة بعد ذلك خلافا للإجماع .